هل ستستخدم روسيا أسلحة نووية تكتيكية لتحقيق مصالح استراتيجية؟
رعد تغوج
دوماً ما تلعبُ موسكو (بوتين والكرملين) على عدة أطراف، ودوماً ما تختبر موسكو أيضاً أسلحتها النووية، عن طريق الإنتشار أولاً deployment أو التجريب experiment، وقد اطردت وتيرة التصعيد الخطابي من قبل الروس أثناء الحرب على أوكرانيا، مع ذلك فإن استخدام الأسلحة النووية في غير محلها التقليدي (الإنتشار والتجريب) وإنْ كان على مستوى تكتيكي محدود، فله ضريبة عالية جداً، والعواقب الدولية قد تكون من الخطر بمكان بما يهدد بوتين نفسه، ويعرف الاستراتيجيون الروس ذلك جيداً عبر دراسة نظرية القرار المعهودة والتي تتمثل بتحليلين:
Reward Assessment
Risk Assessment
على الرغم من أن الأسلحة النووية التكتيكية تهدف إلى تغيير الأولويات في ساحة المعركة، فإن استخدامها من قبل روسيا يستهدف الغرب باعتباره الجمهور الأساسي. الهدف التكتيكي هو أوكرانيا وقواتها ، لكن الجمهور الاستراتيجي هو الغرب كما يشير تقرير تقدير موقف في مجلة “استراتيجيكا” في مؤسسة Hoover. يمكن لروسيا إطلاق سلاح نووي تكتيكي من أجل منع هجوم أوكراني، أو تدمير مركز في منطقة مأهولة، أو حتى للإشارة ببساطة إلى استعدادها للمزيد من التصعيد من خلال تفجيرها فوق منطقة غير مأهولة بعيدة عن خط المواجهة. بغض النظر عن الهدف المباشر، سيكون التأثير الرئيسي المنشود هو أن يُظهر للتحالف الغربي أن روسيا مستعدة لاستخدام السلاح النووي، وكسر أحد المحرمات الدولية المزعومة، وقبل كل شيء التهديد بتصعيد حرب محلية على السهوب الشرقية من أوروبا في صراع أوسع نطاقاً له عواقب وخيمة على القارة بأكملها ، إن لم يكن أكثر. سيكون الغرض من استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا هو إرهاب الغرب، وإرغامه من خلال الخوف من المزيد من التصعيد النووي على وقف دعمه العسكري لكييف. ربما برأي بوتين أنه بسبب هذا الخوف، سيوقف الغرب الدعم اللوجستي الحذر ولكن المتسق والفعال للغاية للقوات الأوكرانية، مما يسمح للقوى العاملة والمدفعية الروسية بتحقيق الهيمنة على ساحة المعركة.
قد تبدو روسيا على عقلانيّة جزئياً في مثل هذا التقييم لأن العائد المُباشر من المحتمل أن يكون تفكيك الإتحاد الغربي لدعم كييف في بعض العواصم الأوروبية (برلين ، باريس ، روما)، وبينما تنتقد بوتين لاستخدامه الأسلحة النووية، ستدعو الكثير من الأصوات في كل جانب من الطيف السياسي إلى إنهاء الأعمال العدائية، مما يضع ضغوطاً هائلة على أوكرانيا لإنهاء جيشها العمليات والرضوخ لصفقة دبلوماسية مواتية لموسكو.
علاوة على ذلك، سيكون هناك أصوات متزايدة من النقاد الأوروبيين (الذين يلومون استخدام روسيا للأسلحة النووية) على المواقف المؤيدة بشدة لأوكرانيا لدول مثل بولندا والولايات المتحدة التي تعد المصادر الأساسية للأسلحة في كييف، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك مسؤولاً عن تصاعد العنف. من شأن مثل هذا الموقف أن يرضي مقاربتين استراتيجيتين عريضتين موجودتين دائماً في العواصم الغربية: الأول هو البحث المستمر عن “الحكم الذاتي الاستراتيجي” (النسخة الفرنسية) أو ببساطة الشك العميق تجاه الولايات المتحدة وهو ما تسعى له بروباغندا الكرملين؛ والثاني هو كراهية بولندا ودول وسط أوروبا الأخرى التي يُنظر إليها في ألمانيا وإيطاليا على أنها معادية بشكل مفرط لروسيا وبالتالي فهي عقبة أمام الجهود التي تهدف إلى نوع من المصالحة الكبرى مع موسكو.
من المحتمل أن يكون رد أوروبا الغربية مختلفاً إذا استخدم الروس سلاحاً نووياً فوق مدينة أوكرانية، مما تسبب في وقوع آلاف (أو عشرات الآلاف) من الضحايا المدنيين. في هذه الحالة، قد يكون هناك ازدراء أخلاقي شعبي مدفوع بعقود من الحركات المناهضة للأسلحة النووية. لكن علينا أن نأخذ بالإعتبار أن أوروبا قد أرهقت من جائحة كورونا، وأثار الحرب الأوكرانية شديدة الوطأة على أوروبا وخصوصاً في مجال الطاقة، فهنالك تضخم غير مسبوق مصحوب بركود اقتصادي غير معلن عنه، وارتفاع في الأسعار. ويبد استخدام السلاح النووي في منطقة مأهولة (على عكس استخدامه في ساحة معركة قليلة السكان ومع ذل ، قد لا تكون النتيجة موقفاً أقوى ضد روسيا، بل دعوة أكثر عمومية لإصدار نسخة من “الصفر النووي” ، تستهدف على حد سواء روسيا والولايات المتحدة (خاصة ، مرة أخرى، في ألمانيا وإيطاليا حيث كانت الحركات المناهضة للأسلحة النووية الأكثر نجاحاً). في كلتا الحالتين، ستكون النتيجة النهائية أن الوجود النووي الأمريكي في أوروبا (أي من خلال المشاركة النووية) سيكون أكثر صعوبة من الناحية السياسية، ويُضاف إلى ذلك التعارض البنيوي الذي تحدث عنه يوهان جالتونغ بين الإرث الأوروبي (بخبرتها الدستورية والديقمراطية والسياسية والثقافية والفكرية) وبين سياسة الولايات المتحدة التي كما وصفها بول كيندي بأنها دولة، لكنها تتصرف كأمبراطورية.
من المرجح أن يكون الرد على استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية مختلفاً جداً في أوروبا الوسطى. بسبب الإحساس المتزايد بالتهديد ومعارضة أوروبا الغربية للأسلحة النووية، ستجدد بولندا طلباتها للمشاركة في المشاركة النووية وتخزين الرؤوس الحربية النووية التكتيكية على أراضيها. علاوة على ذلك، ومع تزايد الضغوط السلمية في برلين، ستزيد عواصم أوروبا الوسطى من مطالبها بأن تضع ألمانيا مواردها المالية لمساعدتهم في الجهود الدفاعية وكذلك في مساعدة موجة أخرى من اللاجئين الأوكرانيين، من المحتمل أن تكون أكبر. سيؤدي هذا إلى تفاقم العلاقة المتوترة بالفعل داخل أوروبا.
باختصار، بدلاً من تحفيز رد أوروبي موحد، سيؤدي استخدام روسيا للأسلحة النووية إلى تعميق المواقف الاستراتيجية المتباينة في أوروبا – بشكل عام، مما يكون في صالح موسكو، خاصة إذا فازت الفصائل المناهضة للأسلحة النووية في أوروبا الغربية العواصم.
لكن الصورة مختلطة أكثر مع بقية العالم. في الواقع، من المرجح أن يؤدي استخدام روسيا للأسلحة النووية إلى دعم أضعف بكثير لموسكو من الصين وإيران (وكذلك دول مثل الهند، التي تقف على الهامش). لقد دعمت هاتان الدولتان روسيا فعلياً، من خلال تزويدها بالأسلحة (على سبيل المثال ، الطائرات بدون طيار الإيرانية وقذائف المدفعية الكورية الشمالية على الأرجح بموافقة صينية ضمنية)، معتبرين أن النصر الروسي في أوكرانيا سيستمر في قلب النظام الدولي الحالي (والعكس بالعكس). ان هزيمة روسيا ستقوي الغرب وتسمح للولايات المتحدة بالتركيز حصرياً على آسيا). لكن استخدام روسيا للأسلحة النووية سيزيد من خطر جر بكين وطهران إلى حرب أوسع، وربما حتى نووية، يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على مصالحهما وأراضيهما. بعبارة أخرى، تخشى هذه الدول الوقوع في فخ روسيا، وبالتالي ستفصل نفسها عن موسكو في اللحظة التي تستخدم فيها سلاحاً نووياً (وذلك حسب تقرير لمؤسسة Hoover). بينما أرى تبقى مخاوف تحول سيناريو ضرب سلاح نووي تكتيكي من قبل روسيا إلى “نموذج للإستنساخ” في دول أخرى تناهض الولايات المتحدة وتف على العداء معها.
Leave a Reply