المُصالحة السوريّة وادارة النزاع بعد تدخل الفيرماخت الروسيّ

رعد تغوج

تمرُ مراحل إدارة الصراع بلحظات حرجة critical moment منها تسوية الصراع  compromise conflict ، والتسوية تعني المُحاصصة الأمنية للمناطق والمجالات الحيوية بين قوة النفوذ وتيارات الشد العكسيّ ، بما يُؤكد أنَّ التسوية لا تعني بحال حل الصراع resolution  إنما توطينه conflict settlement والمُعادلة بالتي هي الوصول إلى سلام ناقص.

سببُ هذا القول أنَّ الحديث عن المُفاوضات السُوريّة قبل البدء باجراءات بناء الثقة confidence building measures ، وبل بالتمثيل لأطراف النزاع، حيث جرت عملية مُماهاة لصالح النظام السوريّ حينَ مثلّ المُعارضة “الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة” ، وتمَّ اختزالُ الصراع على أنهُ صراع بين “الفوهرر السوريّ” وأعداء “الرايخ الثالث” ! دُون حساب لكيانات ما تحت الدولة التي تتصارعُ فيما بينها تحتَ حرب تسمى : “حرباً بالوكالة” .!.

خُطط “دي ميستورا” لا تُساوي شيئاً على أرض الواقع، فميدان المعركة كما يُقال مليئة بالوغى التي تنثرُ الرماد بالعيون، لكنهُ نجح – لنعترف – بجلب المعارضة والنظام معاً إلى طاولة المُفاوضات، وهُوَ ما يعني اعترافاً ضمنياً بالآخر والبدء باجراءات بناء الثقة بين هذين الطرفين فقط، والحال أنَّ “دي ميستورا” يسعى إلى جلب باقي المعارضة العسكريّة بأسلوب “جوبلز” المشهور، وهو : الإشتغالُ على مُستوى ادارة السُمعة التراكمية Repetition reputation management  . عن طريق لفت الأنظار الدُوليّة والإقليميّة إلى المُتاحدثين “المُعارضة والنظام” وامتيازات الحوار التي تدفعُ بكسب الجولات السياسيّة وتقديم التنازلات ! وهي لعبة سياسية ستُدرك القوات العسكريّة المُشتركة في الإقتتال وغيرُ المُشتركة في اللعبة السياسيّة أنّهَا الخاسر الأكبر!

إنَّ تسيّيس الصراع ونزعُ فتيل العسكرة مِنهُ قدْ يُوقف الصراع العسكريّ لكنهُ يُطيلُ أمد الحرب إلى أجلٍ غير مُسمى، ويزيدُ مِنْ فجوة  الإنقسام المُجتمعيّ القائم على الأسس الطائفيّة أصلاً، مِثلما حدثَ في التجربة الكولومبيّة، حيثُ دارَ الصراعُ بدايةً بينَ الحكومة الكولومبية مِن جهةٍ، وبعض الميلشيات المُسلحة، وعلى رأسها “القوات المُسلحة الثورية الكولومبية” (الفارك) ، “وجيش التحرير الوطنيّ” (ELN)، “وجيش التحرير الشعبيّ” (EPL)، وجميعُها جبهات يساريّة ماركسيّة مُسلحة، تُحارب الحُكومة الكُولومبيّة والمصالح الأمريكيّة.

وقد انضمتْ تلكَ الجبهات وتعاونتْ تحت مِظلة “مجلس سيمون بوليفار التنسيقي لحرب العصابات” (CGSB) الذي جاء بمُبادرة من جيش التحرير الوطنيّ عام 1987، وفي سنة 1991 لم يتبقَ في هذا المجلس سِوى الفارك وجيش التحرير الوطنيّ، بعدَ أن سُرحت مُعظم الميلشيات الأخرى عقب توقيع اتفاقية سلام مع الحكومة الكولومبية.

وفي عام 1997 تشكلتْ “قوات الدفاع عن النفس الكولومبية” (AUC)، وهي جبهة يمينية استهدفتْ قوات الفارك والميلشيات اليساريّة المُسلحة الأخرى، وطوال تلك الفترة تنافستْ تلك القوات (اليمينيّة واليساريّة) من أجل السيطرة على مزارع الكوكاين والمُخدرات وطرق التهريب الرئيسة، وهي مرحلة كانت فيها الحكومة تُحارب تلك الجماعات المُسلحة تحت غطاء “الحرب على المُخدرات” بعدَ أن كانَ الشعارُ القديم في المرحلة السابقة: “الحرب على الإشتراكيّة الماركسيّة”. 

وعلى الرغم مِن مُفاوضات السلام التي يعقدُهَا الرئيس “سانتوس” مع “الفارك” إلا أنَّ الإنقسام المُجتمعيّ واضحٌ وجليّ، ويصعبُ الوصولُ إلى تسويّة إلا على مدى طويل وطويل جداً، وهُوَ ما يُشبهُ الحدث السوريّ الذي تعقد المشهدُ فيهِ بحيث يغدو الحديثُ عن تسويّة حقيقة ضربٌ من المثالية الأفلاطونيّة.

Leave a Reply

Your email address will not be published.