النفعيّة لجون ستيوارت ميل

النفعيّة لجون ستيوارت ميل – رعد تغوج
“افعل بحيث تتحول قاعدة فعلكَ إلى قانون بالنسبة لكل الكائنات العاقلة” 
كانط، ميتافيزيقا الأخلاق
وُلد جون ستيوارت ميل يوم 20 أيار سنة 1806، تلقى تعليماً كثيفاً على يد والده “جيمس ميل” الذي رفض ادخاله إلى المدرسة، فدرس ميل اليونانيّة وتلقى دروساً في الرياضيات والتاريخ، ثم تعلم اللاتينية والهندسة والجبر، واطلع في فترة صباه على المتون الإغريقيّة القديمة، منها أورجانون أرسطو، كذلك علم المنطق، واطلع كذلك على الإقتصاد السياسيّ كما رشح من مؤلفات أدم سميث وريكاردو، وغيرها من المتون وحلقات الدروس المكثفة. 
في سنة 1822 جمع “ميل” معارفه الذين يتشاطرون معه التأثر بالمذهب النفعيّ الذي جاء به “بنتام” وأسس المجمع النفعيّ utilitarian society. وفي نفس الفترة تعلم الفرنسية والألمانيّة. 
بدأ “ميل” بالشعور بأزمته النفسية بعد هذه المرحلة المبكرة من عمره، نتيجة التربية العلمية الجافة والعقلية الحادة التي أُنشأ عليه بفضل والده، ونتيجة للصراعات الأيديولوجيا التي اشترك فيها “ميل” مع معاصريه (اتهامات بين ميل وبنتام وكارليل و أوغست كونت). 
حدثت عدة انقلابات فكرية ومعرفية في حياة “ميل”، ولن نستطرد في ذكر ما وصفه في سيرته الذاتية، لكن أهم هذه الإنقلابات هو على والده، ومن ثم على بنتام، وتعرف في هذه الفترة (عمره 24 عاماً) على “هارييت تايلور” التي كانت متزوجة وعندها أطفال من رجل آخر، وأحبها “ميل” لينتهي هذا الحب بالزواج بعد عشرين عاماً عند وفاة زوجها. 
ألف “ميل” العديد من الكتب وتضمُ مَعلمتهُ (معلمة: ترجمة لــ Encyclopedia وسِرنا في ذلك على رؤية الأب انستاس الكرمليّ وكوركيس عواد في ترجمتهما) كتباً ألفها، بالإضافة إلى مراسلات عدة مع مفكرين وأصدقاء، ومقالات نشرها في عدة مجلات في لندن وخارجها. 
توفي جون ستيوارت ميل سنة 1873. 
نُشرت جميع أعمال “ميل” في جامعة تورنتو ومطبعة روتلدج باشراف “روبنسون”،  في 33 مجلد، وتحمل العنوان التالي :  
John Stuart Mill, Collected Works of John Stuart Mill, ed. J.M. Robson (Toronto: University of Toronto Press, London: Routledge and Kegan Paul, 1963-1991), 33 vols.
وتُرجم للعربيّة من مجموع هذه المجلدات الكتب التالية فقط: 

  • عن الحرية، ترجمة : د.عبد الله أمين غيث.
  • أسس اللبرالية السياسية، ترجمة وتحقيق: د. إمام عبد الفتاح إمام- ميشيل متياس.
  • استعباد النساء، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح إمام.
  • النفعية، ترجمة: سعاد شاهرلي حرار.

……………………. 

  • النفعيّة هي الترجمة الحرفيّة للمُصطلح الفلسفيّ الذي أصبح مشهوراً ومُتداولاً لمذهب ومنهج فلسفيّ مُعاصر، هو النفعيّة Utilitarianism. 
  • نُشر الكتاب ﻷول مرة سنة 1863 كعمل مُنفرد يحويّ مجموعة مقالات كان “ميل” قد كتبها على الترتيب التالي: 

المقال الأول : نُشر في تشرين الأول عام 1861، ويُقابل الفصل الأول والثاني لكتاب النفعيّة.
المقال الثاني : نُشر في تشرين الثاني سنة 1861، ويُقابل الفصل الثالث والرابع من كتاب النفعيّة. 
المقال الثالث : نُشر في كانون الأول سنة 1861، ويُقابل الفصل الخامس والأخير من كتاب النفعيّة. 
……………………….
تُرجم الكتاب إلى عدد من اللغات، منها : الفرنسية، الألمانيّة، العبريّة، الإيطاليّة، الإسبانيّة، اليابانيّة، والروسيّة. 
وتُرجم إلى العربيّة ﻷول مرة في النسخة التي بين أيدينا، سنة 2012، أيّ بعدَ 149 سنة من صدور النسخة الأصليّة للكتاب. وقامت بالترجمة سُعاد شاهرلي حرار وطبعتها المنظمة العربيّة للترجمة. 
……………………….
تُعرفُ النفعيّة ابتداءً بكونها تياراً يُمارسُ اشتغالهُ الفلسفيّ عبر ثلاث محاور، هي : الأخلاق، الحقوق، الفلسفة المُجردة. وبعيداً عن الدخول في سرد تاريخيّة الأخلاق كفلسفة مُورستْ مُنذ حامورابيّ والإغريق (أفلاطون وسقراط وأرسطو) والزواج الكاثوليكيّ الذي أصاب الفلسفة الأخلاقيّة في المرحلة القروسطيّة بينها وبين الدين المسيحيّ، حتى أصبحَ السُؤالُ الفلسفيّ هو ما مصدر الأخلاق؟ أكسباً تأتي أم واجباً، وتأتي “مَعيّرَة” السلوكيات (اعطائها معياراً) على يد القديس توما الأكوينيّ لإصلاحَ اللاهوت الفلسفيّ الذي سكنَ الفلسفة قديماً، فتتجذر بعد ذلك ما أضحى يُسمى بالأخلاقيات التطبيقيّة على يد كانط ومُعاصريه، وهي احدى جذور الفلسفة الأخلاقيّة المعاصرة التي ما فتئت تسألُ : ماذا أفعل؟ لِمَن أفعل؟ .. رافضةً بذلك مثلها مثل الكانطيّة الرؤية السكولائيّة للأخلاق المُنبثقة من التواضع الإجتماعيّ أو الإعتقادات اللاهوتيّة. 
يتموضعُ عمل “ميل” في تنقيح نفعيّة المؤسس “جيرمي بنتام” في التأسيس الفلسفيّ للأخلاق – وهو ما لم يفعلهُ بنتام خشية الوقوع في الميتافيزيقيا – وبسبب سوء فهم وادراك مفهوم النفعيّة الذي ما زال سائداً عبر ربطه بالمنفعة الشخصية أو البراغماتية أو الأداتيّة وغيرها من المفاهيم، وقد أنشأ “ميل” هذا الكتاب انشاءً بغرض الردّ على فحوى هذا اللبس. 
أُسُ النفعيّة الأساس هو تحقيق أكبر سعادة ﻷكبر قدر من البشر، وتصطدمُ هنا بالأنانيّة الشخصيّة والصلاح الفرديّ الذي يسعى له البشر فُرادا، ولعل دو توكفيل ساهم في زيادة اللبس حول هذا المفهوم في كتابه “الديمقراطية في أميركا” الذي كرسَ النفعية كمبدأ فردانيّ وليس فلسفة أخلاقيّة، وكذلك ماركس الذي اعتبرها تُعبر عن مصلحة الأنانيّة لدى الفرد، وبهذا تأسستْ – مُنذ مولدها- النفعيّة كرديف قابل للرجم من كل فلسفة حتى أصبحتْ تُتهم بالفلسفة البرجوازيّة.
 
يبدأ “ميل” شاكياً ناقداً عصره، الذي كثُرَ فيهِ التخلف والتراجع في بعض المواضيع، على الرغم من التقدم العام والتطور الذي تشهدهُ دُنيا العلوم والفكر، ومن هذه المواضيع التي ما زالت تحت مِطرقة التخلف السؤال عن ماهية الخير والشر. 
فالخير الأسمى bonum summum كانَ عنواناً لفلسفات ومذاهب تصارعت فيما بينها منذ ألفي عام، وعلّة ذلك هي المبادئ الأولى التي تتأسسُ عليها جميع النظريات والمذاهب في العلوم المُختلفة، فالحقائق القصوى “التي قوبلت كمبادىء أولى لعلمٍ ما، هي في الواقع آخر نتائج التحليل الميتافيزيقي الذي يمارس على المفاهيم الأولية الخاصة بهذا العلم”. فهذه المبادئ تقابل ما هي عليه الجذور بالنسبة للشجرة، حيثُ تسبق الحقائق الخاصة النظرية العامة. والأمر مُناشز في الفلسفات العملية كالأخلاق والسياسة والقانون، فكل فعل – سلوك – تصرف في هذه الممارسات يهدف إلى غاية ما، لذا فإن قواعد الفعل يجب أن تأخذ بالحسبان طبيعة هذه الغاية، وهو “أول شيء يتعين علينا البحث فيه بدلاً من أن نكون نبحث عن آخر الأشياء قبل مُقدماتها”.
 
هُنالك تخريجة لهذا المُشكل أصبحتْ موقع تأويل كما يناقشها ميل، فالقائلون بوجود مَلَكة طبيعية، سواء كانت حساً أو غريزة، تُعلمنا ما هو خير وما هو شر، لا يستطيعون إلا وضع المبادىء العامة لمثل هذا القول، وهُو ما يُسمى (في الإستدلال عند النحاة العرب بــطرد الباب على وتيرةٍ واحدة) فالذي يأخذ بهذه النظرية لا تسعفه تلك المبادىء التي وضعها في تفسير حالة عينية موجودة (في الوجود) بين أيدينا، شأنها في ذلك شأن الحواس الخادعة، فهذه الملكة كما يذهب ميل هي فرع من عقلنا، لا فرع من مملكتنا الحاسة، لذا وجب العودة إليها فيما يتعلق بالنظريات المُجردة للأخلاق لا بما هي أداة ادراك لما هو عينيّ. وهنا ينتقد ميل آراء المدرسة الأخلاقية الحدسية والمدرسة الإستقرائية، فالأولى تكون فيها الأخلاق مُعطىً (ما قبلياً)، وأما الثانية فإن مسألة الخير والشر، وكذا مسألة الصواب والخطأ هي من المسائل التي تعود في النظر إلى التجربة والمُلاحظة. 
لم يتم وضع لائحة بالــ (ما قَبْليات) وعلى فرض تم وضعها، فستكون دون تراتبية بارزة ودقيقة، ولا يمن ردها إلى مبدأ واحد، أو أن يقوم بينها نظام مبني على الأسبقية، ويُشترط في المبدأ الأول أن يكون بديهياً بما فيه الكفاية كي يرد التعارض بين المبادىء المتعارضة التي تليه، بحيث يمكن الرجوع إليه. وهذا لم يحصل. 
رُبما يكونُ كانط هو الوحيد الذي ردَ قوانين الأخلاق إلى مبدأ واحد في كتابه “ميتافيزيقا الأخلاق”  حيثُ يقول : “افعل بحيث تتحول قاعدة فعلك إلى قانون بالنسبة إلى كل الكائنات العاقلة” . لكن كانط فيما يذهل ميل لم يستطع تطوير ذلك، عندما رام استنباط الواجبات الراهنة للأخلاق حيثُ “أخفق في ذلك”. 
يذهب ميل إلى التمهيد لوضع دليل على نجاعة فلسفة النفعية أو فلسفة السعادة كما يُسميها، ويقول في ذلك : 
“إن فن الطب مُبرهنٌ على طيبته ما هو وسيلة مؤدية للصحة، لكن كيف يمكن لنا أن نبرهن أن الصحة شيء طيب؟ وفن الموسيقى طيب بسبب أن يجلب اللذة، لكن أي دليل يمكن تقديمه للبرهنة على أن اللذة طيبة؟” 
 
يشرع “ميل” في الفصل الثاني في الردّ على الخطاب الفلسفيّ الذي يربطُ النفعيّة بما هي مقولٌ لقياس الخير والشر، أو الصدق والصواب، باللذة وحشره في هذا المفهوم الضيق فقط، ولا يقتصر ذلك على حشر النفعيّة باللذة فقط، وإنما اللذة بأبشع صورها. 
والذي يطلعُ على تاريخ الفلسفة منذُ “أبيقور” وحتى “بنثام” يُدرك أن الفلاسفة النفعيين لم يقصدوا بالنفعية أي مُرادف للذة، وإن كان بعضهم جعل من النفعيّة (غياب الألم)، ومع ذلك فإن لفظ (المُتعة) يدل – كما يذهب ميل – إلى تعالٍ على السذاجة وعن اللذة الآنيّة، وللأسف فالعامة في رأي ميل أيضاً لا يعرفون إلا هذا المعنى المُحرف، الذي ساهمت فيه صحف ومجلات بل وفلاسفة عن طريق مدحهم أو نقدهم للنفعيّة. 
في هذا الفصل بالذات يكتبُ “ميل” هامشاً (ص36) يقولُ فيه : 
” يحق لكاتب هذا المقال أن يعتقد أنه أول شخص استعمل كلمة (نفعيّ) ليس هو من اخترعها لكن هو من تبناها عن عبارة وردت في (حوليات الخورينية) للسيد جون غالت”.
اعتقاد البعض أن المنفعة بما هي تحقيق أكبر سعادة وتجنب أكبر ألم، وعلى الرغم من نُبل هذا التعريف من قبل أصحابه، إلا أنهم لا يرون في ذلك إلا شبهاً بالخنازير، وهي تهمة واجهها أنصار الأبيقوريّة قديماً، ومفادها ” أن الكائنات البشريّة لا تقدر إلا على اللذات التي تقدر على تحقيقها الخنازير” . وهذه التهمة وجيها في نظر ميل بشرط أن تكون مصادر اللذة هي ذاتها لدى البشر والخنازير، إلا أن ذلك غير صحيح وذلك يعود إلى كون اللذات الحيوانيّة لا تشبع التصورات الخاصة بالسعادة لدى البشر.، فهي تتمتع بملكات أرقى من شهوات الحيوانات، فلا شيء يُعتبر عند البشر سعادة، ما لم يتضمن الإعتراف بها – كما يذهب ميل- بالإضافة إلى أن هنالك تمييز يُقيمهُ النفعيون بين اللذات الجسدية والمعنويّة، وهنالك أيضاً بعض اللذات مرغوبٌ فيها أكثر من غيرها، ومن هنا ندخل في سؤال الكيف والكم المُتعلق بالمنفعة والسعادة بما هي غياب الألم وتحقيق اللذة.
يقول ميل : “إنه لمن الأفضل أن تكون انساناً غير راضٍ، من أن تكون خنزيراً راضياً، ومن الأفضل أن تكون سقراطاً غير راضٍ، من أن تكون أحمقاً راضياً”. 
في هذا المقول تراتبية للمنفعة يحاول ميل أن يخرج بواسطتها من مأزق ربط اللذة بالمنفعة، فيذهب إلى أن البشر يملكون ملكات أرقى بكثير من الحيوانات، وبالتالي فإن السعادة بالمفهوم البشريّ تختلفُ عنها بما لدى الحيوان. 
يبدأ “ميل” في الحديث عن أخلاقيات تطبيقيّة، مثل الكرامة والهدوء والإثارة، وغيرها من الأخلاق، ما يعكس أخلاقاً أرستقراطيّة ورومانسيّة شهدها العصر الذي عاش فيه ميل، وهو عصر الفتوحات العلمية والتكنولوجيا وغزو الطبيعة، فيشير مل إلى أن الفرد المُثقف سيكون قادراً على السعادة، وأنه ما من ألم من الآلام المُعاصرة إلا وسيزول مع التطور الفكري والعلميّ. 
يقول ميل : ” إن تطور العلم يحملُ وعداً بالنسبة للمستقبل بانتصارات مباشرة على العدو الكريه” اه 
ويقول أيضاً : ” إن المصادر الكبرى للألم البشري باختصار، هي في درجة كبرى، وفي جانب كبير منها، بل قل في كليتها، قابلة ﻷن تهزم بفضل الرعاية والمجهود الإنسانيّ”اه 
يطرح “ميل” في الفصل الثالث مجموعة من الأسئلة الإشكاليّة حول المعايير الأخلاقيّة، مثل ماهية عقوبة الخروج على الأخلاق؟ ما هي الدوافع التي تحمل على طاعته؟ من أين يستمد المعيار الأخلاقيّ قوتهُ المُلزمة؟ 
هذه الأسئلة المُتعلقة بفلسفة الأخلاق تُطرح عند الحديث عن الأخلاق النفعيّة وغير النفعيّة، كفلسفة هوبز مثلاً أو فلسفة اسبنوزا أو الواجب الأخلاقيّ عند كانط، ويتطور السؤال الفلسفيّ في الأخلاق النفعيّة إلى مرتبة أخرى، ونلاحظ “ميل” يحاولُ طرح الإشكاليات وحلها في صيغة ردود. لكن ما هي الأسئلة الفلسفيّة التي تضع مذهب النفعيّة أمام استحقاقٍ إبستمولوجيّ؟ 
رُبما يسأل فرداً ما هذه الأسئلة في نفسه: إني أشعرُ بأني ملزم بأن لا أسرق ولا أقتل، أن أخون أو أغش، لكن لماذا أنا ملزم بالإرتقاء بالسعادة العامة؟ 
نجدُ “ميل” يلتفُ حول الإجابة عن هذه الأسئلة، فيذهبُ إلى أن طرح هذه الأسئلة يُثبتُ أن النفعيّة صحيحة، وستبقى هذه الأسئلة تُطرح “حتى يظهر وعي كل واحدٍ منا وكأنه شعور طبيعيّ جداً يضاهي رعبنا من الجريمة، عند شباب تلقوا تربية عادية وحسنة”. 
يُقرُ “ميل” أن لمذهب المنفعة نفس العقوبات التي أقرتها أنساق أخلاقية أخرى، وهي عقوبات أما داخلية أو خارجية. 
بالنسبة للعواقب الداخليّة فيذهب ميل إلى “الواجب” وهو الإحساس الذي في أنفسنا، وهو ألم متفاوت الحدة يتبعُ انتهاك الواجب (لوم الضمير، هو ما لم يش له ميل) ويطفو بالنسبة للذين تلقوا تربية أخلاقية ملائمة. 
أما العواقب الخارجية فيذهب ميل بعيداً في تأويله لها، فيقول : “فإن آمن البشر، كما يصرح بذلك أغلبهم، بالطيبة الإلهية، فهؤلاء الذي يظنون أن ذلك يؤدي إلى السعادة العامة، أو بما هي على الأقل المعيار للخير يجب بالضرورة أن يعقتدوا أن ذلك هو أيضاً ما يوافق عليه الله. فالقوة الكاملة للمكافأة الخارجية أو للعقاب سواء كان مادياً، أو معنوياً، وسواء كانت تأتي من الله أو من البشر مثلنا، اضافة إلى كل ما تقبله أو تعترض به القدرات الخاصة بالطبية الإنسانية من التفاني بالآخر، بدون بحث عن المنفعة، يصبح صالحاً ليدعم الأخلاق النفعية”اه 
نلاحظ الطريقة الإنشائية التي قام ميل بأشكلتها وجعلها فلسفيّة، ويكفي النظر في الفصل الثاني من الكتاب، وفي القسم الذي يتحدث فيه عن التضحية كأسمى خير لمذهب النفعيّة، وعن الكرامة الإنسانية، لنلاحظ كيف قام ميل بفلسفة الخطابات الإنشائية للأخلاق المسيحية السائدة في عصره.