في حضرة الدحنون
رعد تغوج
نظرَ إلى محياها ولا يدري كيف كان لهُ أن يُطيل ، تأملَ قليلاً والعصبُ السابع في صدغه الأيمن يضربُ بقوة على دماغة مُحدثاً حساسية مفرطة في عينه اليمنى جعلتها ترجفُ قليلاً مما أثار حفيظة قلبه وعقله معاً ، سَوَى يديهِ بموازاة حافة الكنبة التي يتكأ عليها بدلاً مِن أنْ يضعَهما فوق بعضهما البعض فيؤثرُ ذلكَ على عصبِ كوعه الأيسر الذي يرتبط بالرقبة وأعلى الظهر وهي جلسة تتيحُ له الهيمنة وتُحيلهُ مُسيطراً على نفوذه ومجاله الحيويّ !
السيجارة ما زالتْ تنتظرُ أوامرَ الإحراق وهي مُتمركزة الآن في جيبِ سُترته الأيسرَ وعلى الرغم مِن أنَّ قانونَ الجذب بينَ مُتعاكسين أو بين اليمين الذي تُمثله يده الأولى واليسار الذي يمثله موطأ قدم السيجارة ليس مُلزماً لجميع الأطراف المُتشاطِئة حول شرايين قلبهِ فإنهُ اتخذ قراره النهائيّ والذي لا رجعة فيه وأقدمَ دون تفكير – ولا يدري كيف – على انهاء الجولة الأولى قبلَ أن تبدأ! فقد سئمَ التدخين وحانَ الحينُ بالنسبة لمرجعيته العليا أن يترك هذه العادة التي لا تليقُ بمُجمَلِ تصرفاته ومزقَ السيجارة أمام صديقتهُ فهو كظيم!
تساقطتْ ورقة مِنْ شتلة أو شجرة – لا يدري فصيلها – اللبلاب التي تُغطي النافذة الزُجاجية المُطلة على فناء الحديقة الخارجيّ، لم يسمع حشرجة أو دويّ سُقوط مع أنّ اللبلاب هو ذلك النوع من الأشياء المُتسلقة – والمُتسلقة بعُمق – ومع هذا لمْ تُحدث أي ضجة أو غباراً في سُقوطها! فهل حلّ المُحالُ والزوال أم أنّ ساعة الوصلِ في رِحال .
استأنفَ قلبهُ في الخفقان فهو شديدُ حساسية الذوق مُستطعمهُ حينَ يتعلقُ الأمرُ بالجمال، فكيفَ إذا كانتْ صديقتهُ سوار كما كان يتجلى في نُطقِ مَخارجِ حُروفها التي تدلُ مِنْ جملة التأويلات على الدلِّ والدلال. وقد أكرمَته الظروف على صوغِ مطلعٍ طَلَليّ طالَ الطوافَ في نحتهِ ورسمه وتقديمه بلسماً لقلبهِ الذي قالَ لهُ يوماً : أماهُ لماذا أورثتِ ابنكِ تلك الروح الهائمة!
…….
قفقاسية وقفتُ أسألهُا وفي جيدها عِقدُ
رُمْشُ المَها مِنكِ أمْ في عينيَ رَمَدُ ؟
فليتَ سُوارُ تعلمُ أنَّ الهوى لهَا شهدُ
وليتُ شعريَّ هل لهَا مِن بعديّ وَجْدُ
أُصَارِعُ قلباً أتعبهُ طيشُ الهوى والدهرُ
لعينكِ يا سوارُ صارَ الرعدُ بعدكِ عَبْدُ
…….
الكلمة المُفتاحية في بناء أسس العلاقة المتينة معها مُتعلقة بالسماء! فلها باعٌ طويل وطويل جداً في علم السماء وتعرفُ أنواءها جيداً، لكنهُ لا يدري إذا كانَ ذلكَ مُرتبطاً بقراءات ماورائية تُمارسها أم أنه بابٌ مِنْ أبواب اللعب الحلال واللهو المُباح، وعندَ التفكير لحظة في ذلك يستنتجُ المرء أنهُ لو كانَ ما وراء الأكمة ما وراءها لاستطاعتْ أن تعرفَ ما يدورُ في عضلة قلبه الصغيرة من بسطٍ وقبض، وارتجافة تقطعُ النفس لويحظات حتى تُنقظه هِيَ بالتفاتة نادرة، فهي كما يقولُ العارفونَ مُطاعةُ اللحظِ ، مُطاعة النظرِ لهُ وحدهُ.
تسمو كالتاج تعريجة صغيرة يُسميها العارفون بالغمّازة في المنطقة الواقعة بين الخدِّ والثغر، ولأنَّه ليسَ بمقدورِ أيّ ريشة أو يدّ ماهرة إلا أن تندهش بتفاصيل تلك التعريجة التي تُيحطُ بها هندسيات مُسكرة مسروقة من لون الحليب المشع بياضاً، كانَ كلُّ ذلك متواتراً في ذهنهِ وهو ينظرُ إلى الهرة الصغيرة التي تدنو من أسفل السرير كأنها ثملتْ مِنْ هذا الطقس المقدس الذي مارسهُ القدماء مُنذُ الأزل وهو البوح!
ولكي يكونَ صريحاً ويتجنب التأويلات المُغرضة مع نفسهِ تأملَ في منديلها ذو اللونِ الفوشيّ ويتدلى مِنْ أسفله قلادة لؤلؤية غطتها من الأسفل بوشاح لا يذكر إلا أنهُ كانَ مُتسقاً مع رائحة الأنوثة التي تتكرمُ بها على النساء الحاضرينَ إذا ما وُجدتْ بينهنَ، كما لا يدريّ كيفَ تسنى لذلك الجُزء من الدماغ الذي يقع في الفص الأيمن والمُتعلقُ بالذاكرة أن ينسى كم مِنْ مرةٍ قدمتْ عيناها للنسوة درساً بليغاً في فن التواضع !
تفكرَ رويداً ووصل إلى قناعة مركبة تصلح أن تكونَ قاعدة ذهبية أنه عِندَ مِثلِ هذهِ الظروف وفي أوقاتٍ أخرى مُتشابهة ، أجملُ شيءٍ يُمكن أنْ يفعله مَهْوُوس هُوَ أنْ يتواطأ مع أضواء القمرِ في الليلِ ويحلم ، على الأقل عندما تعودُ الأجسادُ إلى مضاجعها ولا تبقى إلا الأرواح الهائمة في المسافة بين العيون والرموش .
Leave a Reply