سوار والنارنج
رعد تغوج
عِندَ مِثلِ هذهِ الظروف وفي أوقاتٍ أخرى مُتشابهة ، أجملُ شيءٍ يُمكن أنْ يفعله مَهْوُوس هُوَ أنْ يتواطأ مع أضواء القمرِ في الليلِ ويحلم ، على الأقل عندما تعودُ الأجسادُ إلى مضاجعها ولا تبقى إلا الأرواح الهائمة في المسافة بين العيون والرموش .
يُقالُ أنهُ في تلك الليلة المذكورة سابقاً أحبَّ الشموعَ والورودَ كما لم يُحبهما مُسبقاً ، ألمْ تُهدهِ سوار باقة شموع يدوية سهِرتْ عليها ثلاث خلوات ، مُطعمة برائحة النارنج الشهيّ وخليطٍ مِنْ الياسمين وعُطر فرنسيّ مِنْ صَنف “دولشي جافانا” ؟ صناعة خفيفة بمقاييس عقله الفلسفيّ لكنهُ أدمنَ على مِثلِ هذه المفاجآت اللذيذة ، وعما قليل … أو بعد أيام وربما شهور سيُفاجئها بعِيد مِيلادها، شهرٌ كامل من المناسبات والأفراح والهدايا ، سبتمبر هذا العام سيكونُ وردياً بلون الغناء إذا تخففَ مِنْ أشجانه .
إلى أنْ يحلَّ اللامُحال مطرحهُ ستُواصل الأرائكَ فعلتها في الغرفة المليئة برائحة الدُخان ودونَ أن يستفزهُ الجو خارجاً ، حيثُ الليلة ثلجاء والجو مطير وليالي القوم ليستْ ألف ليلة وليلة ليلاء لأن الشوارع رغم شظف العيش وضنك الحياة مليئة بالسيارات والمارة وعباد الرحمن والجوالين ، ولا يدري إذا كان التناقض في المدينة حيثُ فيها الهاجد والعاشق أم أنّ جبلة الإختلاف وطينة التنوع هي في الصميم من ذلك الشجن المزمن الذي لثغه الإنسانُ منذ القدم وحار به منذ الأزل وأسماهُ : العقل !!
جلسَ مُمداً حافة قدميه على الأريكة المقابلة وأشعل التلفاز وعينيه معاً على مشهد من فيلم وثائقي يتحدث عن الحمضيات وبيارات البرتقال والنارنج عند قبائل الهيدا على شواطىء الملكة شارلوت في كندا، لم يزرْ يوما كندا وأخبرتهُ سوار كذلكَ أنها لم تزرْ إلا أمريكا الشمالية. قررَ أن يستفسرَ منها عن سرِّ تطعيم الشموع بفاكهة النارنج في بحر اليوم التالي لأنها كما وصفها ويلقبها دوماً – مع غيرها من الصفات – بنؤومة الضحى!!
قالتْ لهُ عندما سألها أنها تستخدمُ خلطة سرية تقوم بعجنها منزلياً وتعلمتها لوحدها دونَ مساعدة أحد إلا قرينها الإبداعيّ ! نظرَ قليلاً إليها ثم صفنَ في حديثه مع والدته التي قالتْ لهُ عندما شككَ في نسبَ سوار العربيّ فربما تكونُ وريثة القشتاليات في الأندلس لأنها مزيجٌ مُسكرٌ مِنْ الجمال العربيّ والغربيّ، بين الموروث الساميّ والعرق الآريّ! لم يذهب باله بعيداً فهي أمامه فليسألها عن أصلها!
قفقاسيةٌ وقفتُ أسألهُا وفي جيدها عِقدُ
رُمْشُ المَها مِنكِ أمْ في عينيَ رَمَدُ ؟
فليتَ سُوارُ تعلمُ أنَّ الهوى لهَا شهدُ
وليتُ شعريَّ هل لهَا مِن بعديّ وَجْدُ
أُصَارِعُ قلباً أتعبهُ طيشُ الهوى والدهرُ
لعينكِ يا سوارُ صارَ الرعدُ بعدكِ عَبْدُ
أذابتْ الشموعَ الجديدة قلبهُ ورُكبتيه معاً ، فقد أهدتهُ باقة جديدة منحوتة بأنامل فنان وريشة شاعر دَجّنَ الجمال تحتَ قدميهِ الصغيرتينِ كهرة دمشقية وديعة، وعندما أمعنَ في عينينها أدركَ أنها نجمةٌ وقعتْ وأضاءت ما حولها.!.
Leave a Reply