المُنشق
رعد تغوج
“البُعدُ يُعرفُ بالقرب ، فهلْ ناديتُ إيّاك أمْ ناجيتُ إيّائي ؟ والمسافة تُقاسُ بالحاسة فهل لبيكَ ندائي أمْ غَابَ نجائي “.
قالتْ لهُ المُديرة وهي تُحاورهُ : أتتخذُني هُزؤوا ؟
تلك الظهيرة السوداء ظاهرُها الطهارة وبطانتها الباطلُ والبطالة ، قضى في ذلك المعهد الأيامَ ذوات العدد ، رأى النّوكى وأهل السوادِ مِنْ المُعلمين ، والرِعاعَ والسّوقة من الطلبة !
قالَ لها : واللهِ واللهِ يا سيدتي ، ما جحظَ الجاحظُ إلا مِنْ أمشاجِ هؤلاءِ الأمثال ، أبقارٌ هندوسية تتهادى في عقولهم الكلسة ، أردتُ إعادتها إلى حظيرتها الغناء ، ما أنا إلا راعٍ إنْ أنا إلا هادٍ يتيم!
“وربُّ المُزدلفةِ والنار ، ما أنا مِنْ تلك الأحجار ، كشفتْ عَنْ حكمتها الأقدار وحارتْ بربِّ البرية الأبرار”
تعجبَ منهُ الطلبة حينما درسهم عن موزارت وباخ وفان جوخ في مادة الحضارة ، تحدثَ عن التينِ والزيتون ، والنونِ ويسطرون ، وعدنان وقحطان ، قال لهم : لقدْ لازمتُ الكُتبَ والطراريس ، مُلازمة الكلبِ لأصحاب الرقيم .
– قالت لهُ الطالبة بعدَ انحلال الدرسِ ورُكبتيه معاً :
كمْ قرأتَ في بطونِ الكتبِ عددَ ورقاتَ حتى وصلت ؟ قالتْ فالعينُ تُبصرُ في الحقلِ تسعَ سنابلَ مقطوفاتٍ تحومُ حولها تسع فراشاتٍ بتسعِ نحلاتْ .
وأمّا الزمانُ يا هذا ، فدهرٌ للرجال تصيبُ الآمال ، ونصيبٌ للآلامِ بعيدُ الآجال ، ستكونُ في حلٍ وترحال ، بله في سيرٍ وسُرى ، حتى تهجُرَ لحِرسكَ الكرى وتذوبُ في ذاك الثرى.
– إيه أيتُهَا العرافة ، منذُ قحطان وعدنان وبعدهما بزمان ، دالتْ دُول العربِ وسادتْ سادةُ العجمْ ودخلتْ ربيعة ولخم مع الأعوان وسمى الكسائيّ كتابه لحنُ العوام ، فما رُزقتْ بطيفها الأيام حتى تكالبت مُضر وزرهان وحلتْ عُثمان بعد طولِ زمان .
” أمّا أصحابُكَ يا هذا فقد غووا ، عبّوا في المَوردِ فما ارتووا ، نادتهُمُ الأقضية حتى ثووا ، خلّوا للوارثِ ما حووا ، طواهمُ القدرُ فانطووا ، لاقتهمُ الآخرة بما نووا “
هذه طراريسيّ إذن فليملأها العدم ، فليسكبوا عليها كفناً بارداً ويُرددوا سِفرَ الفوات، لكنْ أيقمرُ بعدكِ نجمٌ أيتها الكرزةُ الشقية ؟ أوهل تُبدرُ سِدرة بعدَ عينكِ أيتها السماوية ؟ لا أظنُ ثورةً غيرُكِ ستشعُ بعدكِ أيتها الدحنونة اللذيذة، لوني أناملكِ وأرسمي بها معنى الكون والوجود ولا تقفي عندَ الزمن الذي وقفتُ فيه فلا مِعارجٌ بعدَ الإسراء ولا نبيذٌ بعدَ شفتيكِ أيتها الفراشة!
Leave a Reply