رعد تغوج
يُعتبر “جيمس لفلوك” من أبرز العُلماء المُعاصرين الذين تحدثوا وحذروا البشرية من الإرتفاع المُتزايد لدرجات حرارة الأرض، وما سيؤدي في النهاية إلى كوارث بشرية وطبيعية، منها الزلازل والمجاعات وانقراض بعض الخضروات والكائنات الحية المنحدرة، من مناطق حارة نسبياً.
تعود فكرة ارتفاع درجات الحرارة إلى القرن الثامن عشر، حيث لاحظ علماء الفيزياء والمناخ، أنَّ درجات الحرارة في ازديادٍ مُستمر، إلا أنهم لم يضعوا التصور العلمي الدقيق، لتلك المخاطر، التي أصبحت اليوم حقيقة علمية، تؤرق المجتمعات الدولية.
لفت انتباهي كتاب ألفهُ “ستيفين شنايدر” عالم المناخ الشهير، والذي لم يُترجم إلى العربية للآن، وهو كتاب (The Patient from Hell) ، يتحدث فيه شنايدر عن صراعهِ مع السرطان، كما يتحدث عن التجارب المؤلمة التي خاضها في سبيل الحقيقة العلمية.
يتحدث شنايدر في هذا الكتاب عن مُخرجات الإجتماع الذي عقدته الأمم المتحدة عام 2001، بتوصية من المقترحات التي طرحتها منظمة التغيير المناخي العالمي ipcc، ويقول شنايدر أن الحقيقة العلمية جرى التلاعب عليها، وجرى التخفيف من الأخطار الحقيقية للإحترار العالمي، وذلك لإرضاء الدُول المصدرة للنفط، وعلى رأسها سعودية ودول الخليج العربي، حيث أن تلك المخرجات العلمية، تحرج الأنظمة العربية المعتمدة في أساسها على الوقود الأحفوري ، كما يضيف شنايدر أن مصالح تلك البلدان أضحت مهددة، بفعل تلك المخرجات، لهذا تم التلاعب داخل أروقة الأمم المتحدة بجميع النتائج، كما جرى التخفيف من اللهجة التخويفية الصادرة عنه.
المثير في كلام شنايدر، وهو أحد العلماء الذين ساهموا في تطوير علم الأجواء والمناخ في تسعينيات القرن المُنصرم، هو رهان الأنظمة العربية على بقاءها وتفردها، ولو كان ذلك على حساب طمس الحقائق والتلاعب بها، ولولا أن شنايدر ومثله جيمس لفلوك وزوجته ساندي ، الذين يُعتبرون باحثين مستقلين نسبيا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات غربية وليست عربية، لما عرف المجتمع العلمي عن تلك الأخطار التي تم طمسها ، لصالح الدولار والذهب الأسود ، بحيث أصبح تصدير الجهالة ( نقيض الحداثة) إلى الغرب أمراً بسيطاً في نهاية المطاف.
وعوداً إلى رؤية لفلوك ، فأنه أعلن تأليبه العصيان لجميع النظريات الحديثة في مجال تفسير المناخ، فعلى حين أن الهندسة الجوية وعلم الكيميابيولوجي والفيزيابيولوجي، استطاعا وضع خريطة ( منشورة على ناتشونال جيوغرافيك) لدرجة حرارة الأرض لمدة تزيد عن 3.5 مليار سنة هي عمر الكائنات الحية ، أو الكائنات ذات الخلية الواحدة، وذلك عبر خط بياني يمكن ملاحظته مباشرة، عبر الصور المنشورة في مجلة (nature) ، فإنَّ هؤلاءِ العُلماء أخطئوا – بحسب لفلوك – عندما ظنوا أن التغير المناخي يحسب عن طريق تلك الجداول، أو حتى يمكن التنبؤ بالمناخ حتى عام 2100.
يقول لفلوك أن الطبيعة مُفاجئة ، بحيث تأتي معظم الكوارث البيئية والجوية دون سابق إصرار، وهذا ما رسمه لفلوك وشنايدر في مخططات بيانية تتحدث عن تاريخ الزلازل.
في المنظمة الدولية لتغير المناخ هنالك ما يزيد عن 10000 عالم من جميع أنحاء العالم يعملون على وضع بدائل للخسائر التي ستنجم عن الارتفاع المستمر لدرجة الحرارة، وإذا ما استثنينا الوطن العربي ، القابع تحت أنظمة بطرياركية ، فإن الفزعة الدولية تنبؤ بأنَّ المسألة ليست سهلة بتاتاً.
ففي عام 2007، صهرت أشعة الشمس ما يزيد عن 60 % من الجليد المتواجد في القطب الشمالي المتجمد، وبقي 40 % بالمائة ، وهذا ما أدى إلى ارتفاع منسوب البحار والمحيطات، وإذا ما رجعنا إلى إحصاءات مجلة nature ومجلة news scientist ، بحيث ذكرت الأولى ، أن الجليد قادر على عكس 70% من أشعة الشمس إلى الفضاء والغلاف الجوي، بينما تعكس البحار والمحيطات 20% فقط، وهذه نسبة خطيرة جداً ، فإذا كان الجليد في القطبين يعكس ما نسبته 20 % من الأشعة الصادرة من الشمس، فأنه سيعكس الآن أقل من تلك النسبة بكثير، وهذا ما سيؤدي إلى الارتفاع المُتزايد في درجات الحرارة.
يتحدث لفلوك عن ظاهرة عجيبة تحدث تحت المحيطات ، وذلك في كتابه (وجه غايا المتلاشي)، فالطحالب المتواجدة في أعماق المحيطات تعمل على طرد ثاني أكسيد الكربون وتقليله، بينما الطبقات العليا مِنْ المُحيطات لا تقوم بهذه المهمة الكيميائية، ومع ازدياد منسوب البحار والمحيطات، نتيجة ذوبان الجليد في القطبين، فإنَّ نسبة ثاني أكسيد الكربون، ستزداد في الغلاف الجوي، ما سيؤدي عند تلاحمها مع الميثان، إلى ازدياد درجة حرارة الكرة الأرضية.
هذه المخاطر هي فيض مما تزخر به أطروحات لفلوك المثيرة للجدل عالمياً ، ويبقى أن نذكر أنَّ لفلوك حارب ما يزيد عن أربعين سنة فقط للدفاع عن نظريته، في وقت وقفت الداروينية الجديدة المتثلة بدوزيموند موريس وغيرهم، موقف الهجوم من بعض تلك الأطروحات.