نقد الشرعية الإبستمولوجية لقواعد الأصول

رعد تغوج

يتأسسُ مفهوم القياسعلى أصولٍ إنْ نُظرَ إليها مِنْ شرطها الحضاريّ ، تكونُ مُستوفية للحظة التاريخية ، غير مُتجاوزة لحدي الزمان والمكان ، ولا تملكُ جدلها التَطْوريّ الداخليّ ، وإنْ نُظرَ في سياقها المُزحزح مِنْ عتبة الشرط الحضاريّ إلى عتبات الراهن الزمانيّ ، فإنها أقربُ إلى اللاتاريخ منها إلى التاريخ ، وبالتالي فنسبةُ اللامعقول المعرفي فيها تطغى على نسبة المعقول وذلكَ لأسباب عدة نتحدثُ عنها لاحقاً .

إذا أخذنا بعين الإعتبار مُستويات النقد الشرعية أو المشروعة ، يكونُ أولُ هذه المُستويات هو طبيعة النُطق الأصوليّ المُستنبطُ مِنْ حدّ القياس ، وهوَ نطقٌ حُكْمِيّ قيْمِيّ يُناشزُ المُعتبرُ عندَ أهل النظر مِنْ المناطقة والفلاسفة ، المُسلمين قبل الغربيين ، والتراثيين قبلَ الحداثيين، ذلك أنَّ عيارَ النُطق / الخطاب / اللوغوس ، هُوَ بالحدِّ الرُكونُ إلى الجوهر مُباشرة دونَ الأعراض أو الصفات أو الأحكام ، وهُوَ ما يُناشزُ أفهومَ القياس بحدّهِ الفقهيّ المُعتبرُ عند الأصوليين ، والمُستوى الآخر الذي يتأسس عليه أصولُ القياس بلا شرعية معرفية يتمثلُ بالعملية الذهنية المُتساوقة مع منطق الفكر الديني ، كذلك المُتساوقة معْ منهج البحث وطرائقه في النماذج الإرشادية” paradigems” السائدة في مرحلة تأصيل الأصول ، والعملية الذهنية تلك هي آلية إشتغال البحث في الذهن ، قبلَ إسقاطه على الفرع العلميّ ، أيْ أنَّ وجود تلك آلية يحتكم إلى منطق الوجود بالقوة ، لا الوجود بالفعل عنْ طريق المُمارسة .

قامتْ تلك الآلية بالإشتغال عبر مُزدوجين مُلتبسين إذ تساوقا معْ السائر والسائد في الواقع والمُمكن مِنْ طاقات القول والنُطق في ذلك الوقت ، بيدَّ أنَّهما مُنفصلانِ وبينهما برزخٌ لا يبغيان في مملكة النقد والتفكيك ( أي عند العقل العلمي) .

الإشتغال الأول كانَ على مصادرِ الإحتجاج نفسها ، حيثُ قامَ على استقراءٍ ناقص للنصوص التأسيسية ، أيْ أنهُ لم يأت – في التجربة العربية الأولى – مَنْ أحاطَ بتلك المُدونة الضخمة ووضعَ تصوراً وصفياً استقرائياً لما هيَ عليه ، لا لِمَا يجب أنْ تكون عليه ، أو قامَ بتصنيف مراتبِ تلكَ المُدونة التي تحتاجُ – في شرط زمننا هذا – إلى تقنيات تحليل البيانات الضخمة وربط العلائق الوهمية والمُفترضة بين احتمالات التشابك والتنافر بين مُتعدد الأقوال وأشكال النُطق ، المُستنفذة تراثياً ، لكنها مُعجزة في قراءتها ، حاضراً وقتياً . ورُبما يكونُ للسانيات الحاسوبية وفتوحاتها الحديثة عتبةً يستطيعُ الباحثُ منها الوصول إلى تلك التحاليل وما تقوم به وتُوظفه من تقنيات في معالجة اللغات عن طريق ما يُسمى ب Data mining ، والذي كان لمعهد MIT وللمُفكر نعوم تشومسكي قصبُ السبق في تلك الخبرة.

والمُستوى الأخر في الإشتغال كانَ على مُستوى الواقع / النوازل المُستحدثة والطارئة على الحياة ، وهي نوازل مُتغيرة ، وتتأثرُ وتُؤثرُ في العمران البشريّ ، وخاضعة لشروط عدة ، أهمها ثنائية البادية – الحاضرة ، وتلاقحُ الثقافات وتثاقف الأعراق والجنسيات . وكما في الإشتغال على النصوص التأسيسية ، لمْ يستطع العقل الأصوليّ وضع كاتالوجوصفيّ لنوازل الواقع المُتغير ، سِوى بعض المُحاولات مِن بعض مؤرخي الثقافة الشعبية ، كما فعل الجاحظ ( شيخُ الأنثروبولوجين العرب) والتوحيدي وغيرهم .

القياسُ بما هُوَ مُستحدثٌ أصوليّ خضعَ للشرط التاريخي السائر والسائد في نماذج تلك الحقبة، ويُقدمُ لنا الدرس الأنثروسوسيولوجيّ ( وما قدمه مارسيا إليادة) رؤية لتلك الصيرورة التقديسية التي وضعتْ القياس في موضع النمذجة داخل العربيّ ، بحيث أصبحَ مِنْ مُرتكزات الشرط القِبلي – الكانطي – في التفكير والتحليل والحكم.

Leave a Reply

Your email address will not be published.