بقلم : رعد تغوج
الصنعة الفلسفية – كما الصنعة البلاغية القديمة– هي شُغل “علي حرب” الشاغل، فهو يشتغل على مستوى المفاهيم دون مُساءلتها عن تجليها، ويُمكن تشطير السؤال الفلسفي إجرائياً إلى عدة مّحاور أو قوة (على غرار المُصطلح الأرسطي– السيناويّ):
فهنالك أولاً القوة المَفهومية ، وتشتغل هذه القوة على مستوى الدَال المُنبثق مِنْ مدلولٍ شُكوكيّ skepticism ، ولا تكتفي بالنحت الاصطلاحيّ.
وهنالك القوة الإستنباطية القياسية ، وهي قوة تسبق القوة المفهومية ، لكنها عند علي حرب تالية لها، وتتمثل في أشكلة التراث problematization .
وأخيراً القوة الإستدلالية deduction في الإجابة عن الإشكاليات ، ومنها المفاهيم التي طرحها علي حرب مثل النص والحقيقة والتقدم والتخلف والحداثة والقدامة.
علي حرب وإن كان ينساقُ إلى الإشتغال بالمفاهيم إلا أن مشروعه مُكسر وشذراتي، والسرديات المُشذرة كما يقول جاك دريدا شأنها شأن القيم وفلسفتها، فمهما تمرد علي حرب على الثيولوجيا الوسيطة ، فإنه يشتغل عليها مثلما تشتغل به، بل هي كالكتابة ( دائماً مع دريدا) تخترق المؤلف لتصل إلى النص، كما يتعدى العامل ألف التعريف في النحو العربي.
وليسَ كالفلسفة التحليلية التي اشتغل عليها طه عبد الرحمن في مشروعهِ الفكريّ، يُقلبُ علي حرب المفاهيم ويُمارسُ اللغة كخطاب ، بعيداً عن المُعاش اليوميّ ، وبمنأى عن الدروشة السجعية أو البلاغية .
لعبة المعنى إذن ما يُمارسه المُفكر علي حرب ، وسطَ أزمةٍ في التأويل والقراءة ، ولنا أنْ نُلاحظ تلكَ الأزمة في عناوينِ بعض الكُتبِ الصادرة في العقود الأخيرة ، فهي تحمل لقاحاً مُثخناً بالتعدد ، عناوين مثل : إعادة قراءة / قراءة جديدة / تأويل جديد / تفسير جديد!!
لمْ تحدث القطيعة إذن في السياق الحضاري لفكر البحر المتوسط ، وما كان لها أن تحدث، فمنذ نيتشه وقراءة التراجيدية اليونانية ، وهانس جورج غادايمار في بداية الفلسفة وتأويل جديد لبرمانيدس ، والمشروعية (القَرائية) تستند إلى فتوحٍ مِنْ المدرسة التأويلية والفيلولوجية.
المُطلق الدوغمائي وليس العقلي – كمُطلق هيغل – هو ما توصل له العقل العربي ، عِندَ داعش والفرق الجهادية المُعاصرة ، وما كان لسلطة التراث أنْ تزج في العقل العربي في غرفة الإنعاش إلا بغياب التفكيك ، أو القراءة التأويلية العقلانية ، أو حسب تعبير محمد أركون العقل النقدي الجديد المُنبثق .. هذا ما حاول علي حرب المغامرة فيه .
في السياق الحواري والحضاري يتخذُ النقدُ معادلاً موضوعياً في المشاركة ، بيدَّ أنَّ السياق العربيّ الإسلاميّ بعيدٌ عنْ المُحاولة الأنثروبولوجية الرامية إلى توظيف تقنيات الحداثة وأدواتها الثورية في مُعالجة النصوص ، ما الذي يعنيه تفكيك الديمقراطية والبنيوية والتفكيكية والعولمة والعلمانية في الخطاب العربي المعاصر ؟!
نعودُ إلى الجدل وبُؤس القراءة التي سيطرت على برايدغمات النُخبة العربية ، وعلى المُحتوى السرديّ للمؤلفات الخطابية . فهي أشبهُ ما تكونُ ب Grand ideas على حدِّ تعبير غليفورد غيرتز، ليستْ قلقاً وجودياً ، أو شرطاً إنسانياً ، يُوّلِدُ ثورةً أو قطيعة ، مِنْ طبيعة إبستمولوجية، إنما هي “مُستعارات” حضارية منزوعة من سياقها السوسيوثقافي والإنسانيّ .
Leave a Reply