سلفادور دالي : منطق الهذيان السُوريالي

رعد تغوج

عندما أخرج الفنان الإسبانيّ سلفادور دالي فيلمه الأشهر الكلب الأندلسيسنة 1929 بالشراكة مع المُخرج لويس بونويل، لم يتعجبْ جمهور هذا الفنان الذي امتدت شهرتهُ في غرابة الأطوار خارج صالونات باريس الثقافيّة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، فخلف تلكَ الشخصية البعيدة عن المنطق والاتزان تكمن العبقريّة الفنيّة التي توجت المدرسة السورياليّة في الفن كما في الأدب.

لا يوجد ما هُو مُثير في هذا الفليم سوى أنهُ فيلم سُورياليّ صامت، وهُو فيلم قصير لا يتجاوز العشرين دقيقة، دُون أن يحمل قصة أو حبكة محورية أو تسلسل منطقي للأحداث، فلا الزمنُ يسيرُ برتيبة عقلانيّة، ولا الأماكن لها ارتباط بنيويّ بالشخصيات، وهُو ما يُميز الأفلام السورياليّة التي تُوصفُ بغرابة الأطوار وقلة الجمهور المُتلقي لهذه الأفلام.

يُعتبرُ الرسام سلفادور دالي شخصية عالية النرجسية وغريبة الأطوار إلى حد اتهامه بالمُجون والجُنون، وقد تسلطت كاميرات التلفزة والميديا حول غرابة أفعاله وتصرفاته في باريس حتى اتهمه البعض بأنه يفتعلُ الغرابة لجلب الشهرة، والحقيقة أبعدُ من ذلك فهو كما يصفه النقاد رجلٌ مخبول يتصرف بعفوية تعكسُ عبثية ألوانه في اللوحات التي أخرجها.

تركَ سلفادور دالي في حياته المليئة والمُتشعبة تاريخاً منْ الفضائح والتصرفات المُريبة أضحت كما يُسميها بسُخرية ارثاً شعبياً، وقد كان مُهتما بالموسيقى والهندسة والتشريح، ورُبما يعودُ ذلك إلى تأثره في بداية حياته بفناني عصر النهضة أمثل ليوناردو دي فينتشي الذي كان موسوعياً حدّ الجنون، فهو رسام وعالم نبات وجغرافي ورياضي وموسيقي وألف في البحار والهيدروليك والهندسة والتصميم العسكريّ، وكان نحاتاً مُبرزاً لا يُشقُ لهُ غُبار.

ورُبما يدلُ على تأثر سلفادور دالي بفناني عصر النهضة تأليفه سنة 1943 رواية وجوه خبيئةالتي جاءت في عصر الحروب الدمويّة التي تشهدها أوروبا، وفيها مزيج مُسكر مِن الجنون السرديّ المُعبر عن أحداث الحرب والدرامة المأسوايّة للقتل العشوائي الذي تمثل في الخلفية الفاغنريّة للفوهرر هتلرومن وراءه فلسفة ارداة القوةوالإنسان الأعلى التي بشر بها فريدرك نيتشه.

لا يُمكن فصل شخصية سلفادور دالى عن فنه وأدبه، فهو يعبر عن رؤية مشوبة اتجاه الكون والطبيعة والوجود، في علاقة لا تحكمة المصفوفة المنطقية أو الحس الانسانيّ المُشترك، فهُو يُغردُ خارج السائد والسائر والهُويّة التي يُمكن لمسها في فنه عبارة عن لحظة هاربة من جحيم مُمَزَق للمُعاناة والألم الوُجوديّ.

ويبقى أن الفن السورياليّ الذي أرساه سلفادور دالي أصبحَ مُلهماً للفنانين بعده، وشكل مدرسة فنيّة وتيار نقديّ يقومُ على أسس اللاوعي ومُفارقة الواقع والتخلي عن الحياتي الرتيب واليوميّ المُخل بأداب الابداع وجنوح الطموح الذي كان عليه دالي.

Leave a Reply

Your email address will not be published.