معادلة السلام المفقودة

رعد تغوج 

تبدو مصائر الدول العربيّة في حالتها المُترديّة هذه شبيهة بتبشيرات هرمجدون التي بشرتْ بها الأيديولوجيا الإسلامويّة في أدبياتها، فخط الفقر ومعدلات البطالة ومؤشرات جيني للعدالة الإجتماعيّة (معدل الفرق بين الفقراء والأغنياء) وغيرها من المؤشرات الصحية والغذائية والمائيّة، كلها تنذر بالشروط الأيكيولوجية لعدم الإستقرار السياسيّ أو حتى الثورة!

يفيد الدرس الخاص بالمصالحة أن الإرادة الدوليّة بأذرعها (الناتو وغيرها من المنظمات) لا تتدخل بشكل فوري وعاجل إلا إذا مُس أمن أوروبا، والمثال البارز هو اتفاق دايتون للسلام بعد حروب البلقان الذي سبقه اتفاقيات لوقف اطلاق النار، وبدأ خبراء السلام وفض النزاعات الدولية بتطبيق اجراءات فض النزاعات كعلم نظريّ بدأ بعد الحرب العالمية الثانية، فطبقت جميع أنواع المفاوضات، والمصالحة والتعافي من أثار الحرب بل والتدخل الثقافيّ لمحو أو تعويض الذاكرة الجمعية للضحايا وعقد ورشات تدريبيّة لكسر دوائر الخوف ومقاومة الماضيّ الحزين، تزامن ذلك مع مفاوضات على مستوى القيادات وبتدخل دول ومنظمات دوليّة ووضع شرطة دوليّة لضمان عدم التصعيد بين الأطراف وغيرها من الإجراءات!

الوطن العربي ليس شبيها بالبلقان، ولا توجد مصالح دوليّة لفض النزاعات، على العكس يتم تغذية وتمويل هذه المنظمات من قبل بعض الدول العربيّة لشيطنة بعضها البعض! وتبدو الشروط الموضوعيّة للسلام مُستحيلة لعدة أسباب أهمها الخارطة الإثنية والعرقية والثقافية واللغوية التي تم تغذيتها عبر عقود، وزرعت ثقافة سياسيّة قائمة على المحاصصة والتحالف المُدنس عبر عقود اجتماعيّة غير مكتوبة بين النظم الحاكمة وطبقة المُستفيدين من هذه الأنظمة. 

يتطلب السلام البينيّ (بين العرب) عدة شروط موضوعيّة أهمها المفاوضات على أساس التعاون، وليس المنافسة كورطة السجين المشهورة في نظرية الألعاب Game theory، فالعلاقة الصفرية على أساس الربح الكامل لطرف، مقابل الخسارة الكاملة لطرف آخر، هي الأسلوب التنافسي السائد في الحوار العربيّ العربيّ.

وعلى العكس من ذلك كان هنالك (خسارة – خسارة) ﻷطراف تم التصعيد فيما بينها وخسر الطرفين فيها وسط غياب أي رؤى استراتيجية، ويبدو الإنسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط وتدخل الصين عبر قوتها الناعمة (الإقتصاد والثقافة) وعبر مشروعها الضخم – خط الحرير الجديد- مما يجعل الساحة فارغة لقوى دولية مثل روسيا بالتدخل وسط غياب أوروبيّ التي تنعزل بمشكلاتها الداخليّة.

Leave a Reply

Your email address will not be published.