رعد تغوج
(الأردن) 17 فبراير 2017
بينَ رُؤية مُحدبة وأخرى مُقعرة للتدخل الروسيّ المُباشر، بجانب إيران في الجُرح السوريّ النازف، تقفُ مسألة الشرعيّة القانونيّة والدوليّة في حُدودِ هذا التدخل، فبجانب الطاغوت والعسكراتيّة السوريّة التي قوّنَنتْ، ودعتْ إلى هذا التدخل مُنذُ لحظتهِ الأولى، يأتي شجَنٌ آخر هُو في الصميمِ مِن الشرط الإنسانيّ والأخلاقيّ المُزمن، وهو العدالة في تمثيل هذا التدخل.
ذلكَ أنَّ الذي يُضفي الشرعيّة للتدخل العسكريّ الكامل ليسَ مُجرّد استصدار قرارات أمميّة. تواطأ أهل الدُربة والنظر على تقسيمها إلى ثلاثة أجيال: التدخل العسكريّ المُباشر (راوندا وفيتنام)، فالتدخل العسكريّ الإنسانيّ، فالجيل الثالث المُسمى في أدبيات القانون الدوليّ بمسؤولية الحماية، والذي يخلعُ الشرعيّة ويَسحبُها من بساط هذه الأنساق هو المبادىء والقيم التي تحكم هذا التدخل، وهذا شجنُ مُلقى على “مَن يُناضل في سورية فهو الذي عليه أن يجيب عن سؤال التاريخ لاحقاً” كما قال عزمي بشارة ذات رؤية تفكيكية لمُفردة التدخل الروسيّ.
احتفل الرُوس على متن حاملة الطائرات كوزنستوف بانتهاء مهمتها في سورية، ليحتفل بعد أيام أفراد الطاقم العائد إلى بلاده على سواحل ليبيا، في مشهدٍ سُورياليّ خلاب، لا تتوانى “روسيا اليوم” بوصفه نصراً وفتحاً على عادة السلالة ذاتها التي ينتمي لها بوتين، والتي بدأت بنيرون الذي أحرقَ روما وقال: “أما أنا فأفعلها جهارا نهاراً” ومروراً بكاليجولا الذي أعدم حاشيته ذات ليلة، عندما كان في شُرفته فاستبدت به الشيزوفينيا مُحاولاً التقاط القمر بيده مثل حبة بُرتقال، مُتوهماً أنهُ من مُمتلكاتهِ.
أمّا ما حدث في سجن صيدنايا، فإنّه يصلح أن يتحوّل إلى “سكريبت” لسلسلة أفلام تُروى لأطفال الأجيال القادمة، كي لا يناموا! فخمسةُ أعوام مرّتْ على هذا السجن مرور الأوهام من دُونَ أنْ يكونَ هنالكَ مساءلة قانونية أو جنائية لما يحدث داخل أسواره، حتى أنّ بعض المنظمات الدولية والإقليميّة مثل “المركز الدولي للعدالة الإنتقاليّة” و”المركز السوري للعدالة والمساءلة” تجدُ صعوباتٍ في تدوين وتوثيق ما يجري من جرائم حرب، يرتكبها أطراف المُعادلة الحرجة: النظام وروسيا وإيران.
إجراءات بناء الثقة بين هذه الأطراف واهية من دون الدخول في مرحلة “تحويل الصراع” والتعهد القانونيّ بمحاسبة مجرمي الحرب، فالأجدرُ تشكيل محكمة دولية على غرار محكمة يوغسلافيا سابقاً، وتدشين فريق اتصال دوليّ يُناطُ بهِ مهام الوصول إلى تسوية حقيقية للصراع، عن طريق التواصل مع المجتمعات المحلية واللاجئين والنازحين بسبب الصراع، والبدء بإجراءات “المحاسبة والتعويض” لمتضرّريّ الحرب، مع التعهد الكامل للقوات الروسيّة والإيرانيّة، ومليشياتها الرديفة بمغادرة الأراضي السوريّة، وعدم الخوض في موضوع الدستور الذي لا يتشكلُ في مثل هذه الحالات، إلا بإستفتاءٍ شعبيّ.
ويبدو أنّ مؤتمر أستانة يسير ببداية هذا الطريق عبر إيجاد مناطق آمنة منزوعة السلاح ومُخفّفة السلاح، واتفاقيات وقف اطلاق النار التي أثبتت التجربة الإمبريقيّة أنّ مُعظمها يتمُ خرقه بعد مدة قصيرة جداً، وهو ما دفع يوهان غالتون إلى أن يُطلق على مثل هذه الإجراءات بالسلام الناقص وليس الإيجابيّ، طالما أنّ العودة إلى مرحلة ما قبل الحرب يتطلب من الأطراف صبراً، ومن المجتمع الدوليّ آناةً، ومن كليهما إرادة.
Leave a Reply