تفاضل وتكامل في قراءة التراث

رعد تغوج (الأردن)
25 سبتمبر 2016
تواترتْ الكُتبُ والمُؤلفاتُ التي تسعى إلى إعادةِ قراءة التراثين، العربيّ والغربيّ، والجامعُ البنيويّ بينها يُمكنُ كَنههُ -إجرائياً- عن طريق عناوينِ تلك الكُتب التي تحملُ نبرةً مُتَساوقة فيما بينها، على الرغم من المُختلف والمُؤتلفِ في مضامينها. وأمثلةُ ذلكَ مُحبّرة ومسطورة مِن قُبيل “إعادة قراءة” و”قراءة جديدة” و”تجديد” و”تأويل” .. وغيرُهَا من العناوينِ التي تُصادرُ على المطلوبِ مُقدماً، من دُون تأصيلٍ للأصول المُعتبرة عندَ أهلِ الصناعة، وتفريعٍ للفروع المَبسوطة في أسفار أهل النظرِ والدُربة.
الجامع البنيويّ للعناوينِ قد لا ينعكسُ على المضمون، فبعضُ الدراسات قدّمتْ رؤىً مُستحدثة لمسائلَ مُستجدة، في التراثين، العربيّ والغربيّ، وكانَ لجورج طرابيشي مُحاولة تأصيليّة لجمع المُؤتلف وتأليف المُختلف، رداً على محمد عابد الجابريّ في قراءتهِ التجزيئيّة للتراث العربيّ، كذا مُحاولة طه عبد الرحمن في “سؤال المنهج” و”فقه الفلسفة”.
وحديثاً صدر الجُزء الثاني من مشروع عزمي بشارة، “الدين والعلمانية في سياقٍ تاريخي”، وهي قراءة تُناشزُ بعض السائدِ في العُرف التأريخيّ في محاولتها تبيئة المفاهيم ونحتها، قبل قراءة السياق الذي دُشنت فيه بعض المُصطلحات مثل “المجتمع المدني” و”سلطة الإكليرك” و”العلمانية”.
اشتغلت هذه المشاريع الثلاثة على آليات إنتاج المعرفة التراثية، حسب تعبير ميشيل فوكو، وقدّمتْ أطراً منهجية مُستعينة بماكينة هائلة من الفتوحات التي دشنتها العلوم الإنسيّة الحديثة، وتوّسلت بترسانة من المفاهيم، ويمكنُ تتبعَ المحاور التي اشتغلت عليها هذه المشاريع (رغم الاختلاف بينها) وما قدمته من أصالة بما يلي:
– المحور المفهوميّ: والتأصيل للمفهوم، من مصادرَ عربيّة مُعتبرة عند أهل النظر والدُربة، وبعدها مُحاولة التقريب والتسديد لهذه المفاهيم على شكل تعريفٍ، يُراعي الجانب التواصليّ والتداوليّ، عبرَ مرجعية مُخصوصة، ويُمكن التدرج فيما سبق، والتنظير له، بالحديثِ عنَ القوى المُؤصلة، وبعدها العقل التداوليّ الذي يُمكن مُراعاة تعريف عبد القاهر الجرجانيّ لحدِّ “الجزالة” في تعريفاته، عندما قال: “هُو الذي تعرفهُ العامة ولا تستطيعُ الإتيان بمثلهِ”، وعبر زحزحة “معرفية” لهذا المفهوم يمكن الحديثُ عن أقانيم التداول التي يكونُ التراث مرجعيته، والنُخبة الناطقة به، والجمهور المُتلقي له، مع شرط أن يكون التراثُ بمعناه التكامليّ وليس التجزيئيّ.
– المحور الاستدلاليّ والاستنباطيّ : ويتمُ عبر التكامل، الذي هو بحدِّ هذا المقال ضدَّ التفاضل، أو الرُؤية التفاضليّة للتراث، فما دامَ بعضهم يُصرُ على الحديث عن “خوارج” و”نواصب” و”روافض”، وعدا عن أن هذا الخطاب يُشكلُ خطاباً للكراهيّة، إذا أخذنا المعنى الإنسانيّ الرحب للمواطنة، فإن الحديث عن التراث يكون ضرباً من التجذيف به، والنيل من شموليته، والتشهير بصراطيتهِ. لهذا، وجبَ حدُّ التراث حداً يأخذُ بالحسبان التكاملية في معرفته، والشموليّة في تناوله، من حيث الوسائل والآليات، أو من حيث المضمون والخطابات، لا مُجرد الأخذ بتيارٍ منه من دُون آخر.
أمّا عن جدليّة الثابت والقار، والمُتغيّر والمُتحوّل، في أُس العلاقة التثاقفية بين الشرق والغرب، فقد قوّمتْ تلك الدراسات الأدوات المعرفيّة جميعها لمِبضع النقد والتقويم، عبرَ مرحلةٍ تبدأ بالوصفية لمناهج العلوم الإنسانيّة، ومن ثم التحليل والتقويم، فبذا تُعرف الخصوصية الغربية، وتتمايز الخُصوصية العربية، وتتمايز الأشياء، فيُؤخذُ بالمَأصول وتُطرحُ الأشباهُ والنظائر.

Leave a Reply

Your email address will not be published.