الجيش والسياسة: الرُشد والطُغيان

رعد تغوج (الأردن)
10 أكتوبر 2016
أفرزتْ مُتغيرات البيئة الإستراتيجيّة الحديثة تهديدات مُستجدة أمام النظرة السُكولائيّة للأمن العربيّ، ومُستوى الاستجابة لهذه التهديدات، والذي يخضع لمؤشري السرعة والقوة، فالأمن العربي ضعيف جداً قياساً بحجم الإنفاق العسكريّ الذي يُقارب في بعض الدُول نفقات الجيوش الكبرى! فهل تحتاج الجيوش العربيّة إلى ثورة في الشؤون العسكريّة؟
يُطرح هذا السؤال الإشكاليّ مع عقد مُؤتمر “الجيش والسياسة في مرحلة التحوّل الديمقراطيّ” الذي اعتنت مُعظم أوراقه بتقييم الوضع العام للجيوش العربيّة، بَيْدَّ أنَّ مُؤشرات الرُشد العسكريّ تتناشزُ مصائِرُهَا مع مصائِر الرُشد والطُغيان السياسيّ.
في حين أنَّ المؤسسة الرقابية والتشريعيّة في العمل السياسيّ تخضعُ أكثرُ ما تخضعُ للمُساءلة، فإنَّ مُساءلة المؤسسة العسكريّة هُو أندَرُ من الكبريت الأحمر! وفي سياق التحوّل الديمقراطيّ، يُوضعُ هذا الإشكال على رأس ومِبضع النقد والرُؤية، ويكفي أن تُجرى دراسة إمبريقيّة عن القيادات العليا في الأجهزة الأمنيّة، ومُدّة توليهم دفة تلك القيادة، ليتفاجأ المُطلع أنهُ لا فرق بين قيادات بعض الأحزاب الشموليّة سابقاً، والذي قد تولى بعضهم قيادة حزبه ثلاثين أو أربعين عاماً، وبعض القيادات العسكريّة.
الهيكلية العامة للجُيوش، وكما يقول مايكل أوهانلون في كتابه “التحول التكنولوجيّ ومُستقبل الحرب”، وكما هُو قارٌ في الدرس المُتعلّق بالثورة في الشؤون العسكريّة ترتبطُ بعد أمور، أهمّها الإدارة والهيكلية القيادية والهرميّة، ولنا أن نلاحظ هُنا ظهور مدارس إدراية حديثة ظهرت من رحم المؤسسة العسكريّة، لعلّ أهمها إدارة المشاريع لسلاح الهندسة، وغيرها من التكتيكات الجذرية.
ويُلخص ريتشارد هندلي في كتابه الصادر عن مؤسسسة راند “ماضي الثورة، مُستقبل التحويل: ما الذي يُمكن أن يخبرنا به تاريخ الثورة في الشؤون العسكريّة عن التحويل في الجيش الأمريكيّ؟، مراحل التطور في تبني تلك الثورة، وهي على الشكل التالي: المرحلة التحضيريّة: وتتعلّقُ بالتطوير التكنولوجيّ وتحديد التحديات العسكريّة. مرحلة الاختراق أو التقدّم المُفاجىء في المعرفة: وهي مرحلة التحوّل الإبستمولوجيّ بكل ما تحملهُ الكلمة من معنى، في تغيير براديغمات التكنولوجيا والعلوم المرتبطة بالجانب العسكريّ، مثل علم النفس وعلم الاجتماع والبروباغندا والفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم، والتي أثبتْ التاريخ العسكريّ الإمبريقيّ أنّ المؤسسة العسكريّة، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى، كان لها السبق في تدشين الفتوحات العلميّة قبل وصول تلك الفتوحات إلى أيدي المُجتمع العلميّ والأكاديميّ. مرحلة الانفجار: وتتعلّقُ بتطوير الأنظمة واختبارها، ولعلّ أهم مِحور تدورُ حوله دراسات مُستقبل الحروب (مثل كتاب مستقبل الحرب لجورج و مرديث فريدمان) هو تطوير ما بات يُسمى بنظام الأنظمة، الذي يجعلُ الحرب أقرب إلى لعبة الأطفال والخيال عن طريق التحكّم الكامل بسير العمليات والإلمام الدقيق بأرض المعركة وتبيئتها إلكترونياً عن طريق نظام الأنظمة. مرحلة النهاية: وهي مرحلة المُكافأة، كما سماها “هندلي”، وتتعلق باستخدام تلك الثورة في أرض المعركة.
فهل يُمكن الإستفادة من الثورة في الشؤون العسكريّة عربياً، وخصوصاً بعد أن أشارت بعض الدراسات إلى أنّ الجيوش الكبرى، والتي لها علاقة بالوطن العربيّ وصلتْ إلى مرحلة “القُدرة العملياتيّة الشاملة”، وما أفرزتهُ تلك القدرة من إلمام عميق بطرائق الحروب الشرق أوسطيّة مما يضعها أمام تهديد غير مسبوق؟
تحتاج تلك الاشكاليات مزيداً من الدرس وعقد المؤتمرات على غرار مؤتمر “الجيش والسياسة”.

Leave a Reply

Your email address will not be published.