رعد تغوج (الأردن)
29 مايو 2018
يروي آلان غريش، عن صديقه وأستاذه في صحيفة اللوموند الفرنسيّة، إريك رولو، الصحفيّ الفرنسيّ المصريّ اليهوديّ المُخضرم، والذي تمّ تعيينهُ سفيراً في تونس، حيثُ انعقد اجتماع للدبلوماسيّن الجُدد في باريس، وتعين على كلّ دبلوماسيّ تقديم نفسه على نحو: فلان الفلانيّ، ساحل العاج، فلان الفلانيّ، الأرجنتين.. وحينَ حانَ وقت رولو، وقفَ مُنتصباً، وقال: إريك رولو، لوموند (أي العالم). فسادت لحظات من الصمت تبعتها موجة من الضحك في أرجاء القاعة.
وتجاوزاً لرمزيّة ما يحصلُ في عالم الدبلوماسيّة التي تسبحُ في السديم، تبنى إريك رولو السرديّة المُضادة للصهيونيّة في مُختلف محطات حياته، التي دشنها بمصر مُواطناً كوزموبوليتياً، ومُراسلاً لصحيفة الجريدة المصريّة، وقد أجرى مقابلة مع حسن البنا في ذلك الوقت، ومرواً برفضه إصرار الحكومة الإسرائيليّة تحويل يهود مصر إلى طابور خامس، وتجنيد اليهود العرب للقيام بعمليات تخريبيّة، وكانَ لفضيحة، لافون، دورها في كشف المُتورطين في تلك العمليات، وأشهرهم جون دارلنج وفيليب ناتاسون.
وفي كتابه، كواليس الشرق الأوسط، يستهلُ رولو مقدمة الكتاب بالحديث عن والده الفرنسيّ، والذي كان مُناوئاً لكل صور القوميّة اليهوديّة، على الرغم من أنهُ تعلم في مدارس الرابطة الإسرائيليّة العالميّة. هذا الإرتداد من الطموح بالحاخاميّة في الطفولة المُبكرة لرولو إلى النقيض الوجوديّ للمشروع الصهيونيّ، تكررَ مع أحد الناجينَ من المحرقة النازيّة، وهُو نورمان فنكلشتين الذي تُوفي والده في مُعتقل أوشفيتز، ووالدته في مُعتقل مايدانيك، والذي وقف صارخاً في وجه الفتاة اليهوديّة التي قالت لهُ أنه لمن المُهين الحديث عن اليهود بذلك الشكل، فقال إنه لم يعد يحترم ذلك، ولم يعد يُحب دموع التماسيح.
أمّا مصائر الإستلاب والإغتراب المُناشزة لطروحات رولو وفنكلشتين وشلومو ساند وغيرهم، فتأتي، مِراراً ودوماً، بلُغة العرب العاربة: العدنانيّة الشريفة. أمّا التصريحُ فجاء بالأنجلوساكسونيّة الفصيحة أمام بعض رؤساء المنظمات اليهوديّة في نيويورك، والذين نقلوا ما جاء على لسان السُلطات السُعوديّة باليديشيّة والعبريّة الدارجة للسلطات الإسرائيليّة بما فحواه: على الفلسطينين القبول بصفقة القرن أو أنّ يصمتوا، وليس من أولوياتنا القضية الفلسطينيّة، فهنالك ما هُو أهم وأكثرُ إلحاحاً مثل إيران.
ولا يبدو على أنظمة الإستلاب والتبعيّة أيّ نيّة أو قرار داخليّ في الدفاع عن الجزء القليل المُتبقي من المُقاومة، وهُو ما يتضحُ من الغياب الطوعيّ لتلك الدول في مؤتمر القمة الإسلاميّ الطارئ الذي عُقد في اسطنبول، وسط حضورٍ قطريّ بارز، وتشديدٍ أردنيّ على رفض نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة والتمسك بخيار حل الدولتين.