أثير الكراهيّة

رعد تغوج (الأردن)
13 أغسطس 2016
ما هي الأسس التي يَقومُ عليها العُنف والإرهاب الفكريّ؟
تقوم الإجابة على “الرمز”، فالإنسان (بالتعريف الاجتماعيّ) كائنٌ رمزيّ، قامَ (كما يقول ماكس فيبر) بنسج شبكة من الرموز بنفسه حول نفسه، ومِنْ هذه الرموز: اللغة، الإشهارات الإعلانيّة والدعائيّة، تسويق البضائع والسلع، طقوس التبادل التجاريّ وتداول السُلطة ورفع الأعلام والمُصافحة بين الزعماء والدبلوماسيين وتنصيب الرئيس (في الولايات المتحدة مثلاً)، والذي يرافق الأخير بروباغندا دعائية (هوليودية) في توصيف العلاقة اللامُتكافئة بين الشرق والغرب بالشرور، وبيع تلك الشعارات للرأي العام على أساس أنّ الإسلام، مثلاً، هو خط تهديد مُستدام، كذلك (برنامج أوبرا) وقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع العائلة، وغيرها من الرموز الثقافية التي أصبحت طقساً وبديلاً شعائرياً عن الدين في المجتمع العلمانيّ الحديث.
أمّا على ماذا يقومُ العُنف، فهو يقومُ ويتأسّس على كوادر بشريّة ترعاه، وتُؤسس مجالهُ (الدينيّ غالباً) بناءً على توظيف الرموز التي تُتيحُ لبعض الأفراد بإعادة ترتيب المُجتمع والنظام الطبقيّ فيه (رجال دين، علمانيين)، (مُؤمنين، كافرين)، ومن ثمَّ تسويق مُثيرات الرُعب بشكل يوظف العاطفة والأسطورة معاً، عبر ثنائية رمزيّة شائكة، كما يقولُ جيرار جينت في كتابه “العُنف والمُقدس”.
ودائرة المُقدس تتسعُ كالمنطاد، وقد تضيقُ حتى تُصبحَ نُقطة عندَ الإسلام المُعتدل، فلا يتعدّى فيها المُقدسُ دائرة الله، وتقديس صفاته وأقوالهِ، ومَا أمرنا به ونُهينا عنه (أحكامه)، وتتسعُ دائرة المُقدس عند الجماعات الدُوغمائيّة والمُتطرفة لتصل إلى تقديس الأشخاص، الكتب، المُتون، المفاهيم والقيم، التي جاءتْ في ظروفٍ مُعينة وملابساتٍ تاريخانيّة مُحددة.
ما يقومُ به “الكادرُ البشريّ” المُرتبطُ بالمجال الدينيّ ودائرة المُقدس، هُو زحزحة تاريخيّة لتلك المفاهيم والقيم المُرتبطة بظروفها الموضوعيّة، ونقلها إلى التعالي “الترنستنداليّ” اللاتاريخيّ، عبرَ صيرورة مِنْ الترميز تنقلُ “الطبيعيّ” و”العاديّ” إلى “المٌقدس” “والخارق” كما يقولُ مارسيا إليادة.
وقدْ لاحظ بيير بورديو، كما يقولُ كلود ريفيير، في كتابه: “الأنثرولوجيا الاجتماعية للأديان” أنّ المجال الدينيّ يتضمنُ فضائل رمزيّة تتعلّقُ بدائرة المُقدّس، وحول هذه الفضائل تقومُ بعضُ الجماعات المُتخصصة في هذا المجال بالعمل على تقديم تعريف للمفاهيم وإعادة نشرها.
ولا يقتصر العُنف على تقديم الرموز وتسويقها عبر كوادر ترعاها، إنما تأسيس خطاب تفسيريّ لهذه الرموز، هذا الخطاب عادةً ما يُقدمُ نفسهُ على أنهُ: أحاديّ، صراطيّ، لا يقبل تأويلاً غير التأويل الممنوح من قبل سُلطة الكادر، والتي قد تتغير بتغير الظروف والمُلابسات: الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة.
أمّا كيف يتم توصيل رسالة العُنف إعلاميّاً (خِطابياً)؟ فقد طورَ رومان جاكبسون نظرية للتواصل في اللسانيات، قائمة على مُستويات، هي: المُرسِل: وهو الشخص الذي يقوم بإرسال الرسالة. المُرسل إليه: وهُو الجمهور. الرسالة: وهي المُحتوى. الشيفرة : وهي الرموز الضمنية داخل الرسالة، وتتطلبُ من المُتلقي فك شيفرتها، وقراءة “المسكوت عنه” ضمناً في الرسالة. قناة التواصل: وهي الآلية التي يتمُ فيها توصيل الرسالة. السياق: حيثُ لكلّ رسالة مرجع خارجي (على أرض الواقع) تُحيل إليه وتسيرُ الرسالة عبره.
وما يهمُنَا في سياق إعلام التوحش هو الرسالة والشيفرة، حيثُ يُوّظف الكادر البشريّ جميع الشيفرات التراثيّة في رسائلهِ الإعلاميّة، وتشملُ هذه الشيفرات: آيات الجهاد والقتل في القرآن الكريم، الأحاديث النبويّة الداعية للقتل والتعزير، وتظهرُ على هذه الشيفرات الرطانة التبريريّة لأفعال القتل وادارة التوحش.
وفي موازاة ذلك، يتمُ استحضار سردية “الملحمة الكبرى” و”أحاديث نهاية الزمان” و”معركة مرج دابق” عبر ربط هذه السردية بقصة الحروب الصليبية بين المسلمين والكفار، والتي لم تنته فصولها بعد.

Leave a Reply

Your email address will not be published.