لعلَ “أغاني البراءة” هي أبرز أعمال الشاعر والرسام والنحات “وليام بليك” .
وُلد هذا الشاعر في لندن سنة 1757 وتوفيَ فيها عام 1827 ، وقدْ وصفتهُ دائرة المعارف البريطانيا “بريتانيكا” بأنه الشاعر الحالم، وألفَ بالإضافة إلى “أغاني البراءة” مجموعة “أغاني الخبرة” (1794) بالإضافة إلى تأسيسهِ – دوما مع بريتانيكا – لمجموعة من النبوءات أو الإرهاصات المثيرة والشاقة ، مثل ” رؤى بنات ألبيون” ، و”كتاب أريزون الأول” و”ميلتون” و”القدس” ، وتم طبع هذه الكتب ورسمها – بالمُنمنمات – وبيعها من قبل زوجته كاثرين.
تُعتبرُ الروحانية هي أبرز معالم بليك في انتاجاته الشعرية والأدبية والفنية، وفي لوحاته الشهيرة استلهامٌ من التراث الكنسيّ والقروسطيّ، بالإضافة إلى رموز صوفية وغنوصية وهرمسية، واستعاراتٍ اغريقية لكبرى الملاحم والميثيولوجيات اليونانية والرومانية القديمة، مثل لوحة ” قفزة بروميثيوس” الشهيرة، ولوحة “زوبعة المُحبين” التي فيها من السوريالية ما فيها ، بحيث تدفعُ الناقد إلى الظن أنها ليست من أعمال بليك المُباشرة والتي لا تحتاج ذلك التأويل الهيرمونيطيقي والإسطاتكي المُعقد.
قامَ وليام بليك برسم مُنمنمات على بعض النصوص القديمة مثل مُدونة ورائعة دانتي أليغيري الشهيرة “الكوميديا الإلهية” ومِنْ أشهر تلك اللوحات التي أصبحتْ تُضاف إلى نصوص “أليغيري” وبعض طبعاتها الأوروبية هي مُنمنمة “دانتي وفيرجيل في بوابة جهنم” ، كما قامَ بيلك برسم مُنمنمة على شكل بروتيه لكل من “وليام شكسبير” و”نيوتن”.
وردَ في دائرة المعارف البريطانية أن صديق بليك الصحفيّ “هنري كراب روبنسون” كتب ذات يوم عن بليك : ” عندما كانَ بليك يبلغُ من العمرِ أربعَ سنوات رأى رؤية (منامية) عن الله، وعندما كان ما يزالُ طفلاً أيضاً رأى رؤيا أخرى تتعلقُ بالنبي حزقيال” اه . ورُبما كانتْ هذه الرُؤى المُبكرة هي بداية البداية للإرهاصات التي ستصبغ لونَ وليام بليك وفنه على مدار حياته بلون الروحانية والعالم النورانيّ.
رسمَ وليام بليك مُنمنمات أصبحت شهيرة فيما بعد على الكتاب المُقدس، وخُصوصاً على القَصص الواردة فيه، منها قصة السقوط التي رسم لها أكثر من لوحة، وقصة أدم والوحي والخلق وغيرها من القصص، وقدْ يكونُ بليك صاحب جنسٍ سرديّ فريد لهُ هوية مُميزة غير قابلة للتجنيس، فمعظم أعمالهُ الشعريّة قام بوضع رسومات – مُنمنمات – على كل صفحة من صفحات دواوينه وكُراساته، ولا نعرفُ حقاً هل كانت الرسومُ هوامشَ وحواشي على النصِّ الرئيسيّ أمْ أن المتنَ الأصليّ هو الرسم والمُنمنمات والقصائد هي عبارة عن هوامش وشُروح لما أرادَ أن يُظهره!
ولأولِ مرةٍ في تاريخِ الأدبِ والفن تظهرُ شخصيةٌ يلتصقُ فيها وصفُ الفنانِ مع صفة الشاعر والنحاتِ والأديب، ولا يُمكنُ فصلَ الشاعر عن الفنان في مثل حالة وليام بليك لأنَّ مُجملَ أعماله تحملُ الصبغتانٍ، وقد كانتْ بداياته الشعريّة مُبكرة نسبياً، حيثُ التحق في صالون “هاريت ماثيو” المرأة المُثقفة التي كانتْ تلمُ في صالونها الأدبي مشاهير الفنانينَ والأدباء في عصرها، وألقى هنالكِ بليك بعض قصائده التي نالتْ اعجاب الحضور، ليتمَ بعد ذلك طباعة ديوانه أو كتابه الأول ” poetical sketches” الذي يحوي رسوماتٍ وقصائد مُتنوعة بلغت 70 صفحة.
ورُبمَا تكونُ موسوعيّة وليام بليك راجعةٌ إلى نتاج عصر النهضة الذي سبقهُ في أوروبا، فرسامو هذا العصر كانوا بالإضافة إلى كونهم رساميين شعراء وأدباء ونحاتيينَ، وكانَ المثالُ الذي سبقَ بليك هو الفنان الإيطاليّ الشهير ليوناردو ديفنشي الذي يكونُ – رُبما – بليك قد تأثر به وخصوصاً أن ديفنشي رسم لوحات ومُنمنماتٍ على الكتاب المقدس وأشهر تلك اللوحات هي العشاء الأخير ويوحنا المعمدان.