وكر الإستبداد.. الحاشية والعرش

رعد تغوج (الأردن)20 سبتمبر 2017تروي كُتبُ علم الكلام الإسلاميّ أنَّ الجُنيد البغداديّ مرَّ بقومٍ يخوضونَ في الفلسفة وعلم الكلام، فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: يُنزهون الباري بالأدلة عن صفات الحدوث وسمات النقص، فقال: نفيُّ العيبِ حيثُ يستحيلُ العيبُ عيبُ. 
وعلى عكس تبرئة السُلطة الرُوحيّة مِن التاريخانيّة الحافّة بالدرك الحَضيضيّ للشرط الإنسانيّ، تسعى السُلطة الزمنيّة إلى أمثلةِ نظامها الإستبداديّ الجبريّ، وإيجاد بُنية نفسية للخوف والرُعب، والترويج المُستمر لفقه العُبوديّة الطوعيّة المُختارة، وذلكَ بتبرئةِ “الفهرر” العربيّ المشرقيّ من الزلل البشريّ، ذلك الفهرر النيرونيّ الذي دخل وكرَ الإستبداد عن طريق: التوريث أو المُؤامرة، أو في حالاتٍ عربيّة عن طريق صناديق الإنتخاب في النُظم الجماهيريّة مثل سورية ومصر. 
يقومُ وكرُ الإستبداد والإستعباد بتدشينِ النظم النيرونيّة على أساس العلة الأولى والمَبدأ المُسَبِب، فالفُهرر العربيّ هو واجبُ وجود كيان الدولة، وهُو موجودٌ بالفعل، وما عداهُ وجودٌ بالقوة، متى شاءَ وُجدت الوزارات والأعيان، ومتى شاء مُسختْ التوجهات والتاريخُ مِن الأذهان، وترعى هذه المشيئة أقانيم الاستبداد التي تقومُ على الثالوث المُدنس: التزليم، التقزيم، والتلقيم. 
تزليمُ النُخب والكياناتِ المُوازية، مثلما تفعلُ بعضُ دول حصار قطر بتزليمها وتصنيمها للأشباه والنظائر مِن مُنظريّ “الثورات المُضادة” وصراعات الردّة، أمثال محمد دحلان وغيره. وكذا في تقزيم النخب الحقيقيّة وإطلاق السُعار للجيوش الإلكترونيّة الإفتراضيّة أنْ تنال من تلك النُخب، مثلما حدث في قائمة الترجيم التي ضمت أسماء حاكم المطيريّ وعلي الصلابيّ… وثالثة الأثافيّ في هذه الأقانيم هي التلقيم، حيثُ تقومُ السُلطة النيرونيّة البطرياركيّة بتلقيم وتلقين النُخب سقف الخطاب وتُخوم القول والإفتاء.
أمّا توظيفُ الدينيّ الرحمانيّ فتتولاهُ قراءة نزَّويّة لسرديات الحاكميّة وفقه الولاء والبراء، حيثُ يتمُ الدُعاء للفُهرر العربيّ، خادمَ خُدام هذا الدين، البريء من حقن المِحن والفتن، ولو كانَ ذلكَ في أقدس المُقدسات، وعلى حساب السُمعةِ التراكميّة التي فضحَ عورتها تغذية اقتصاديات الحُروب، بدءاً بسورية، وليس انتهاءً باليمن التعيس. 
ولا تكتفي تلك النُظم بإهدار الفرد العربيّ وعصرِ كينونتهُ بمُجردِ احتكارِ المادة النفطيّة ومصادر عيشهِ ودخلهِ مِن حاشيةٍ صغيرة، إنما بتجريف الوعي والذاكرة المثقوبة وقلب الحقائق الدينيّة وإيجاد طبقةٍ من رجال الدين، مُهمتها الأولى الحفاظ على التحالفات القائمة، وحماية البيعة القادمة، ومَن خالفَ ذلك فمصيره الإعتقال كما حدث أخيرا مع دعاة وشيوخ ضاقتْ بهم أنظمتهم، فخرجوا من ثوبها، فرُجموا وجذفوا وأصبحوا قاب سجنينِ أو أدنى من المُعارضة. 
تقوم السلطة النيرونيّة على تأبيد القائد، فهو المُعلم الأول وليس أرسطو، لهذا فُهو يُحاطُ بجوقةٍ مِنْ أولي الزجر والنهر (القوى البوليسيّة)، وبطبقةٍ أخرى من أهل التلبيس والتدليس (القوى الفكرية) وتُصاغ في مثل هذه الظروف البُنى النفسية للخوف واضمحلال الإرداة، ويتفوقُ في ذلك القائد على “نرجس” الذي رأى صورته ذات يومٍ في بئر ماء فاستبدتْ به الشيزوفرينيا فذهب ليحضرها فسقط في قاعٍ عميق فمات! 
لا تُناشزُ مصائر فقهاء السُلطان بإيديولوجيتهم الوهابيّة الخلاصيّة، مصائرَ الحُكم السلاليّ الذي دكّتْ بمُوجبهِ أوروبا 41 نظاماً ملكياً طاغوتياً، ولم يكن آخرها سلالة رومانوف وآل عُثمان وهابسبورغ، أمّا خُبراء التزوير وقلب القيم فهُم في حصنٍ منيع، يتواترون “أرض النفاق” للسباعي، و”مجتمع الكراهية” لسعد جمعة، و”الأيدي القذرة” لجان بول سارتر.