ملخص abstract
تهدف هذه الورقة إلى التعريف بالنظام السياسي في إيران ، وآليات ممارسة الحكمُ وصنع القرار داخل الدولة ، والتعريف بأهم مؤسسات الحكم والسلطات الحاكمة ، والقوانين والدستور الإيراني .
أولاً : نظام الحكم في إيران
النظام السياسي المتبع في إيران هو النظام “الجمهوري” ، ويختلف هذا المسمى عن غيره من الأنظمة الجمهورية الأخرى بأنه – وفي الحالة الإيرانية – نظام جمهوري إسلامي ، أي أنه يستمد شرعيته من الدين الإسلامي ، ويعتبر مزيجاً بين النظام الديمقراطي والمفاهيم الإسلامية القديمة كالشورى مثلاً .
ولا يمكن دراسة النظام السياسي في جمهورية إيران الإسلامية دون الرجوع إلى الدستور الإيراني الذي يحدد مسميات وتعريفات أدوات الحكم ومؤسسات داخل الدولة ، غير أن هنالك صعوبة تكنف الباحث في قراءة النظام السياسي عن طريق قراءة الدستور فقط ، فهنالك مؤسسات “سيادية” تعمل في الجمهورية خارج نطاق الدستور ، وهو ما يُشار إليه عند بعض الباحثين بمؤسسات الظل التي تكثر في الجمهورية الإيرانية .
يتكون النظام السياسي في إيران من ثلاث سلطات هي : السلطة التنفيذية ، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية ، ويتربع على عرش السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية ، ونواب الرئيس ، والوزراء ، والخصوصية في النظام الجمهوري في جمهورية إيران هو وجود سلطة عليا أخرى غير سلطة الرئيس ، وهي سلطة المرشد، وهذا يعني إزدواجية السلطة داخل الدولة ، والمرشد له صلاحيات منحها له الدستور، وهو ما سنتحدث عنه الأن .
– المرشد الأعلى :
يجعل الدستور من المرشد والإيمان به جزءا من عقيدة النظام السياسي للجمهورية الإيرانية ، وهو جزء من عقيدة الإيمان بولاية الفقيه المشهور عند المذهب الشيعي ، وقد نص الدستور على صلاحيات المرشد في (11) مسؤولية ، منها :
– الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.
– إصدار الأمر بالإستفتاء العام.
– القيادة العامة للقوات المسلحة.
– إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
– إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد.
– العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم غي إطار الموازين الإسلامية .
أما السلطة التنفيذية فتكون أعلى سلطة فيها لرئيس الجمهورية الذي ينتخب إنتخاباً مباشراً من الشعب لمدة أرع سنوات ، ولا يجوز إنتخابه لأكثر من دورتين متتاليتين ، وقد حدد الدستور الإيراني المعدل لسنة 1989 صلاحيات ومسؤوليات رئيس الجمهورية ، ومن هذه الصلاحيات:
– تنفيذ الدستور كما أنه يرأس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقيادة.
– تعيين معاونين له .
– التوقيع على المعاهدات والإتفاقيات.
– تولي مسؤولية أمور التخطيط والميزانية والأمور الإدارية والتوظيفية للبلاد بشكل مباشر أو يمكن أن يوكل شخصاً آخر لإدارتها .
وبحسب الدستور يمكن للرئيس تعيين نواب له ، مع منح النائب الأول ميزات ومسؤليات إضافية ، كما تتكون السلطة التنفيذية من مجلس وزراء مع ملاحظة أن هنالك وزارات غير موجودة في أي نظام جمهوري أو ملكي آخر ، مثل وزارة المخابرات والأمن ، التي ربما توازي وزارة الدفاع في الولايات المتحدة.
أما السلطة التشريعية فتتكون من جهازان ، هما : مجلس الشورى الإسلامي ، ومجلس صيانة الدستور ، ومجلس الشورى الإسلامي هو ما يقابل مجلس النواب ، وأضيفت إليه صفة “الإسلامي” تميزاً له ، وقطيعةً مع المجلس الوطني الذي كان يميز النظام السابق للجمهورية الإسلامية ، وقد نص الدستور الجمهوري على الإطار التنظيمي لمجلس الشورى ، من حيث قواعد الإنتخاب وعدد الأعضاء ، وطبيعة المداولات والصلاحيات والمسؤوليات المختلفة للأعضاء، وينتخب النواب عن طريق الإقتراع السري المباشر ، لمدة أربع سنوات ، ويبلغ عدد النواب 270 عضواً ، يضاف إليهم عشرون عضواً بعد كل عشر سنوات استجابة للتطورات الديمغرافية والسياسية ، وينتخب الزرداشت واليهود نائباً لهم ، ويشتركُ المسيحيون والآشوريون والكلدانيون في انتخاب ناب واحد فقط ، أما الأرمن (في الشمال والجنوب) فيكون لهم نائب واحد أيضاً ، وفيما يخص صلاحيات المجلس فقد حددها الدستور بما يلي :
– سن القوانين في القضايا كافة ضمن الحدود المقررة في الدستور (مادة71).
– شرح القوانين العادية وتفسيرها من دون المصادرة على حق القضاة بذلك (المادة73).
– النظر في اللوائح القانونية بعد مصادقة مجلس الوزراء عليها (المادة74).
– مناقشة مشاريع القوانين والإقتراحات والتعديلات (المادة 75).
– التصديق على فرض الأحكام العرفية في البلاد “في حالات الحرب والظروف الاضطرارية المفاجئة” (المادة 79).
يتضح من تلك القائمة وغيرها (الموجودة في الدستور) أن صلاحيات مجلس الشورى تحظى بشرعية قوية ، وأن لها حضور قوي في مجال صنع القرار الداخلي والخارجي ، ويتميز المجلس كذلك بطبيعة قوانينه الإلزامية ، وهو ما يعني قرب مجلس الشورى من نظام الحكم البرلماني في الحكومات البرلماني التي يحظى فيها البرلمان بدور فاعل ومحوري في تحرير سياسيات البلد.
والمكون الثاني من مكونات السلطة التشريعية هو مجلس صيانة الدستور ، وهو مختص بصيانة أحكام الشريعة الإسلامية وضمان نفاذها ، مع العلم بأن النظام السياسي الحالي ، بما يتضمنه من مجالس شورى وصيانة للدستور ، هو نتاج الثورة الخمينية الإسلامية ، التي كان من أهم نتائجها أسلمة القانون السياسي والنظام السياسي في إيران ، والإنطلاق من ايديولوجيا إسلامية في صوغ وصناعة القرارات المحلية والخارجية .
ويتكون مجلس صيانة الدستور من ستة عشر عضواً ، ستة منهم من الفقهاء العدول الذين يختارهم القائد مباشرة ، وستة آخرون من مختلف التخصصات القانونية ويرشحهم رئيس السلطة القضائية ويوافق عليهم مجلس الشورى ، ويحدد الدستور مدة عمل المجلس بست سنوات ، على أن يجدد في أول دورة نصف أعضاء كلا الفريقين بعد ثلاث سنوات بطريق القرعة .
يتمتع مجلس صيانة الدستور بعدة صلاحيات منحها له الدستور ، منها : ضمان ما يصادق عليه مجلس الشورى الإسلامي مع الأحكام الإسلامية والدستور ، وتلقي جميع ما يصادق عليه مجلس الشورى مع الإلتزام بدراسة وتقرير مدى مطابقته مع الموازين الإسلامية ومواد الدستور كما تقرر أغلبية فقهاء مجلس الصيانة عدم تعارض ما يصادق عليه مجلس الشورى الإسلامي مع أحكام الشريعة ، كما لأعضاء مجلس صيانة الدستور الحق في حضور جلسات مجلس الشورى الإسلامي ، ويفسر أعضاء مجلس صيانة الدستور مواد الدستور ويقدمون شروحاتهم بعد تصديق ثلاثة أرباع الأعضاء ، والإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة ورئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي .
يتضح أن النظام السياسي في إيران يأخذ بثنائية السلطة التشريعية كما هو الحال في العديد من الدول التي يتكون فيها مجلس الأمة من مجلس النواب ومجلس الأعيان ، مثل بريطانيا التي تتكون من مجلس العموم ومجلس اللوردات.
والسلطة الثالثة من السلطات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي السلطة القضائية ، وقد نص الدستور على استقلالية السلطة القضائية في البلاد ، غير أن دور المرشد وغيرها من مراكز صنع القرار تتوغل أحياناً في السلطة القضائية كما في غيرها من السلطات ، وهذا يعني أنه لا توجد هنالك في الجمهورية الإسلامية الإيرانية حدود واضحة للفصل بين السلطات، على الرغم من الدور المحوري والفاعل للسلطات في صنع القرار والتأثير على السياسة المحلية والخارجية للجمهورية ، كما رأينا ذلك في السلطة التشريعية.
يعطي الدستور الإيراني القضاة عدة صلاحيات ويحدد لهم عدد من المسؤوليات ، أهمها:
– التحقيق وإصدار الحكم بخصوص التظلمات والإعتداءات والشكاوي والفصل في الدعاوي والخصومات واتخاذ القرارات والتدابير اللازمة في ذلك القسم من الأمور الحسبية الذي يعنيه القانون.
– صيانة الحقوق العامة ، وبسط العدالة والحريات المشروعة.
– الإشراف على حسن تنفيذ القوانين.
– كشف الجريمة ، ومطاردة المجرمين ، ومعاقبتهم وتعزيرهم وتنفيذ الأحكام الجزائية الإسلامية المدونة.
– اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع الجريمة ،ولإصلاح المجرمين .
وتتكون السلطة القضائية من أربعة هياكل أو مؤسسات متميزة ، هي رئيس السلطة القضائية ، ووزير العدل ، ورئيس المحكمة العليا ،والمدعي العام، ويحدد الدستور على رأس السلطة القضائية شخصاً ” مجتهداً عادلاً ومطلعاً على الأمور القضائية ومديراً ومدبراً”، وقد قامت بعض الإستثناءات الدستورية التي دشنت مؤسسات “وظيفية” تمارس سلطاتها القضائية ، مثل القضاء العام والقضاء الخاص والقضاء الثوري .
– مؤسسات الظل
هي المؤسسات الخارجة عن الإطار الدستوري والتي بصفتها “الوظيفية” عابرة للسلطات، وعادة ما تكون الأنظمة السياسية الثورية ، أو التي نتيجة ثورة إنقلابية ، تتكون من مثل هذه المؤسسات الوقتية ، وفي ظل النظام السياسي الإيراني ما زال بعض تلك السلطات تمارس دورها منذ الثورة الإيرانية سنة 1979 ، ورغم أن الدستور الإسلامي صدر في نفس السنة ، وتم تعديله بعد عشر سنوات في عام 1989 ، إلا أنه لم يشر إلى تلك المؤسسات ، مما يعني أن تلك السلطات تفتقد الشرعية القانونية ، لكنها تكتسب الشرعية الأمنية والشعبية لإعتبارات أيديولوجية وعقيدية.
من مؤسسات الظل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية “مجمع تشخيص مصلحة النظام” ، وقد نشأ هذا المجمع بقرار من الخميني في 12/12/1988 ، والهدف منه هو الفصل في النزاع بين مجلسي الشورى وصيانة الدستور ، أي بين السلطتين التشريعيتين ، ويقوم مجمع تشخيص مصلحة النظام بإعادة النظر في مشروعات القوانين المختلف عليها ، حيث كان يتكون من اثني عشر عضواً ، يمثلون رؤساء السلطات الثلاث ، وفقهاء مجلس صيانة الدستور ، وممثل الإمام (المرشد) ، ورئيس الوزراء ، وفي الدستور المعدل لسنة 1989 تم إضافة بعض بنود الصلاحيات للمجمع ، مما أكسبه شرعية قانونية ودستورية .
وبالإضافة إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام هنالك ” مجلس الأمن القومي الأعلى” وهي مؤسسة أمنية ترادف – ربما – وكالة الأمن الوطني أو القومي في عدد من الأنظمة والدول الغربية ، ويتكون هذا المجلس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية من رؤساء السلطات الثلاث، ورئيس هيئة الأركان القيادة العامة للقوات المسلحة ، ومسؤول التخطيط والميزانية ، ومندوبين يعينهما القائد (المرشد) ، ووزراء الداخلية والخارجية والأمن ، والوزير الذي ينظر المجلس موضوعاً يدخل في دائرة اختصاصه ، ويتولى رئيس الجمهورية رئاسة المجلس.
أما وظائف هذا المجلس فتتمثل بتأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة الإسلامية ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية.
والمؤسسة الثالثة من مؤسسات الظل في النظام السياسي الإيراني ، هي مجلس إعادة النظر في الدستور ، وهو مجلس يحدد آليات تعديل الدستور ، وهو مرادف للمحكمة الفيدرالية العليا في الولايات المتحدة التي تقوم بتفسير وتأويل الدستور الفيدرالي ، والإختلاف بين المؤسستين هو أن مجلس إعادة النظر في الدستور ينظر في إسلامية القوانين والتشريعات الدستورية ، ويبحث في قضايا الإمامة والإمارة وولاية الفقيه ، مما يعني صبغه بصبغ أيديولوجية إسلامية.
المصادر والمرجع :
– مسعد ، نيفين عبد المنعم ، صنع القرار في إيران والعلاقات العربية الإيرانية ، مركز در
سات الوحدة العربية ، ط1 ، بيروت.
– دستور جمهورية إيران.
– إبراهيميان ، أروند ، تاريخ إيران الحديثة ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، ع409 ، فبراير 2014.
Leave a Reply