التمدد الزائد : مستقبل مكانة الولايات المتحدة في الساحة الإقليميّة

رعد تغوج

ليوهان غالتون، عالم الرياضيات والسوسيولوجيّ النرويجيّ عدة تنبؤات أثبتت التجربة والتاريخ صحتها، فقد استخدم عدة تقنيات رياضية ونماذج احصائية متقدمة بالإضافة إلى خبرته الواسعة في مجال فض النزاعات وادارة الصراعات الدولية وعلم السلام، لدراسة بعض التفاعات في العلاقات الدوليّ.

فقد تنبأ بالدقة بسقوط الإتحاد السوفيتيّ، وتنبأ باحدات ساحة تان ميان في الصين، والثورة الخُمينيّة في إيران وسقوط جدار برلين وسقوط الإتحاد السوفيتي (قبل عشر سنوات من سقوطه)، وغيرها من الإستشرافات!

ألف غالتون كتابا عن سقوط الولايات المتحدة، وتنبأ بتراجع الدور الأمريكيّ ابتداءاً من عام 2030، وعند مجيء ترامب إلى السلطة، عدل من موقفه وكتاب أن التغيير القادم سيبدأ بتراجع أمريكا عن الساحة الدولية ابتداءاً من عام 2025، فقد عجل ترامب من هذا التراجع، وأبرز هذه الإرهاصات هو التناقض البنيوي بين الولايات المتحدة وأوروبا، فهذه الأخيرة التي قامت على إرث دستوري يمتد منذ عصر الأنوار مروراً بالثورة الفرنسية وسقوط سجن الباستيل وتأسس العواصم الحديثة وتدشين دساتير متطورة قائمة على العقد الإجتماعيّ والمجتمع المدني والحريات، وكلها قامت على أسس فلسفية عميقة جاء بها فلاسفة ومفكرون مثل جان جاك روسو ودينس دايدرو ودالمبير وغيرهم، هذا الإرث يتناقض بنيوياً مع السلوك الأمريكي وخصوصاً في السياسة الخارجية الأمريكيّة!

هنالك عبء أوروبي ثقيل من تحمل نزوات العم سام، وهذا ما طرحة نعوم تشومسكي الذي تنبأ هو الأخر ويُبشر بضعف الولايات المتحدة وتراجع دورها في عدة كتب لعل أبرزها كتاب (305 الغزو مستمر). الولايات المتحدة تنفرد في السياسة الدوليّة، وحركت الناتو ولوحت بالمنظمات الدولية وفرضت عقوبات دولية على أعدائها وخصومها، وتدخلت بالشؤون الداخلية لدول أخرى، بل أن هنالك 135 تدخل عسكري مباشر قامت به الولايات المتحدة منذ تأسيسها (أيام جفرسون) أي بمعدل تدخل عسكري واحد كل سنتين أو ثلاث سنوات، عدا عن ارسال القوات وتشكيل التحالفات والقوات الرديفة وتدشين القواعد العسكرية الخارجية، كل هذه السياسة الخارجية تضع الموقف الأوروبي في حرج من هكذا إرث متاورث! فضلاً عن الإنسحاب من اتفاقيات دولية (اتفاقية باريس واتفاقية الباسفيك) أو عدم التصديق على اتفاقيات دولية من الأساس!

الولايات المتحدة هي بالتعريف عبارة عن دولة، لكنها تتصرف كإمبراطورية عظمى، على حد تعبير بول كيندي الذي ألف كتابه وتبنأ هو الأخر بتراجع الولايات المتحدة، وتحدث عن نظرية التمدد الزائد، وهي التوسع خارجياً حتى يصبح من المحال ادارة هذا التمدد فيحدث الإنهيار!

Leave a Reply

Your email address will not be published.