ديفيد هارفي : الشروط الإيكولوجيّة للثورة – رعد تغوج

ديفيد هارفي : الشروط الإيكولوجيّة للثورة
رعد تغوج
هنالك العديد من الطروحات والدراسات المُختصة التي سددت النظر في الثورة الداخليّة، وهي ظاهرة تواتر حدوثها في القرن العشرين، حيثُ تُبين قاعدة بيانات جامعة أبسالا Upssala أن عدد النزاعات الداخلية تصاعد بشكلٍ خطيّ linear بالتزامن انخفاض عدد النزاعات بين الدول أو الحروب، ويُمكن ملاحظة ذلك في قاعدة بيانات Political instability task force التي أشرف على مشروعها جامعة مريلاند وقامت السي آي إيه بدعمها لاحقاً، وتُقسّم قاعادات البيانات هذه الصراعات إلى حروب أهلية، صراعات إثنية، تغيير النظام السياسيّ القسريّ، الحروب الخارجيّة، الإبادة السياسية والإبادة العرقيّة.
كما قام غير واحدٍ من أهل الدُربة والنظر بنمذجة الصراع الداخليّ والثورات، بحيث تتيحُ عملية النمذجة تحليل الظواهر السوسيو-سياسية المُعقدة – والصراع منها – كمياً وإمبريقياً، وهنالك ما يزيد عن 30 نموذج تنبؤيّ وضعها باحثون ومراكز أبحاث وأجهزة استخبارات وغيرها من المُؤسسات، لعل أشهرها ما نشرته من وثائق مُفرج عنها السرية كلية الطيران الأمريكية من نموذج يستخدم تقنيات احصائية معقدة تُسمى ب Fase analysis ، وكذلك نموذج جولدستون وزملاؤه الشهير الذي استخدم فيه عدد قليل من المُتغيرات للتنبؤ بالصراع الداخليّ لمجموعة واسعة من الدول.
أما دراسات الحضر والثورة، والبحث في الشروط الإيكولوجية للثورة، فقد تم التركيز في معظم الدراسات على العنف، وتحديد الشروط الموضوعيّة لنمو جيوف العُنف، ووضعت نماذج لتحليل العُنف، وابتعدت العديد من الدراسات عن البحث في الحضرنة والثورة، وهو ما ذهبت إليه دراسة هارفي التاليّة.
بيدّ أن هارفي الذي قارب الثورة من مجال البيئة والصناعة والمكننة وبعض المفاهيم الماركسية التي شرحها ونقدها نقداً جذرياً، لم يقم بذلك من منطلق إمبريقيّ كما فعل غيره، ما يجعل دراسته مجرد فرضيات قابلة للإختبار التجريبيّ :
يقول هارفي : “لقد فهم لوفيفر جيداً خاصة بعد أطروحته كومونة باريس التي نشرت عام 1965 أن الحركات الثورية تفترض غالباً إن لم يكن دوماً وُجود بُعد حضريّ، وهو ما يضعه على الفور على خلاف مع الحزب الشيوعي، الذي يُؤمن بأن البروليتاريا المتركزة في المصانع هي طليعة التغيير الثوري. وفي إحياء الذكرى المئوية لصدور كتاب رأس المال لماركس كان لوفيفر، بطرحه الحق في المدينة، يهدف إلى استفزاز الفكر الماركسي التقليدي الذي لم يتفق قط على أهمية الحضر في استراتيجيات الثورة، على الرغم من أنه صنع أسطورة كومنة باريس كحدث مركزي في تاريخه”.
ويقول في موضع آخر :
” وإذا كان لما فعله أوسمان في باريس دور في تفسير ديناميات كومونة باريس، فكذلك كان للحياة الفاقدة للروح في أحياء موزيس دور حاسم في حركات عام 1968 الدرامية في الولايات المتحدة، عندما انخرط طلاب الطبقة المتوسطة من البيض والساخطين على الأوضاع القائمة في حالة من التمرد، وسعوا للتحالف مع جمعات مهمشة أخرى، واحتشدوا ضد الإمبريالية الأمريكية لخلق حركة تهدف إللى بناء عالم مختلف يتضمن تجربة حضرية من نوع مختلف” ص38.
أما المحاولات الشحيحة التي لامس فيها هارفي الثورة من منطلق إمبريقيّ، فهي حديثه عن بعض المؤشرات الحافة بظاهرة الثورة، مثل الناتج المحلي الإجمالي وغيرها من الأمور، يقول هارفي :
” فبالطريقة نفسها التي وثق بها برينلي توماس تناقض حركة الدورات بين الولايات المتحدة وبريطانيا في القرن التاسع عشر، والتي أظهرت أن ازدهاراً في البناء الإسكانيّ على أحد جانبي المُحيط يُوازن بركود على الجانب الآخر، فإننا الآن نرى ركوداً في الولايات المُتحدة وأغلب أرجاء أوروبا توزانه حركة حضرنة ضخمة ومشروعات بنية أساسية مُزدهرة تتركز في الصين، مع تفرعات عديدة في أماكن أخرى، خاصة ما يطلق عليها دول البريك Bric، ولكي نتمكن فقط من إدراك العلاقة بالصورة الكلية يتعين علينا الإشارة فوراً إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا تعانيان من تباطؤ النمو، في حين تسجل الصين نمواً يبلغ عشرة بالمئة، ولا تختلف بقية دول البريك كثيراً عن ذلك المُستوى” ص81.

Leave a Reply

Your email address will not be published.