المِعطف لنيكولاي غوغول : رتابة البُؤس الإنسانيّ وانحلال مِدماك النفس البشريّة وتآكل القيم الجمعيّة في عصر الإستبداديّة الوحشيّة
رعد تغوج
“كُلنا خرجنا من معطف غوغول” ، تلك عبارة تواترَ ذكرها على لسان ديستوفسكي، أو تولستوي، أو تورجنيف. أمّا الجامعُ البُنيويّ بينَ هؤلاء فهو الأطروحة المُضادة لأنطونيو جرامشي الذي قال عن فن الرواية أنهُ : “ملحمة البرجوازيّة الأوروبيّة”.
أمّا غوغول الذي تحصنَ ضدَ المُجتمع وأقعد الجمال على رُكبتيهِ وانعزل عن الحياة العامة، وكانتْ مآساتهُ بالتيفوئيد والإكتئاب تُشبه مأساة صديقه بوشكين المقتول الذي رثاه غوغول وقال : ” الوحيد الذي كان قد فهم أحزان روحي قد اختفى”.
ومُوجزُ مُختصرُ “المعطف” الذي كتبها غوغول بالإضافة إلى “المُفتش العام” و”نفوس ميتة” تدور حول شخصية أكاكي أكاكيفيتش ، ذلك الموظف الرتيب الذي كان يُلقبُ بــ : “الكُندرة” والذي عاش فقيراً ومات حقيراً ..
تروي الأسطورة الغوغليّة أن أكاكي كان يملكُ معطفاً رثاً كمظهره المُوحش، وبعد أن بليَ هذا المعطف ولا يعد صالحاً للإستعمال حاول حياكته عند خياطٍ مغمور غير ميسور، فلم يستطع الخياط ذلك، فقرر أكاكي البائس أن يعمل بشقاء كي يدفع ثمن معطف جديد، وبعد جُهدٍ جهيد ابتاع ذلك الموظف البأس المعطف، فانقلبت حياته رأساً على عقب!!
أصبح أكاكيّ شخصية أخرى، أصبح اجتماعياً ولا يخشى العُزلة، بل أنه قرر أن يتحدث مع امرأة جميلة ويحتسي الشراب معها في حفلة خاصة، وتغيرت نظرة أكاكي إلى الحياة والكون والوجود والطبيعة..
وسرعان ما يتحول المعطف إلى أمثولة لحياة الإستبداد والظلم والبؤس القيصريّ، حيث يتعارك أكاكي مع شخصين فيذهب إلى “الجنرال” (سلطة الإستبداد) ويقع أكاكي فريسة الظلم والتهور والسخرية من قبل ذلك الجنرال، ثم يمرض أكاكي ويموت فترجع روحه – بنهاية سورياليّة بائسة – لتنتقم من الظلم.
المِعطف الذي هو بتعبير “تيري إيغلتون” الطبقة الفوقيّة لمخابىء النفس البشريّة التي يسيطر عليها الإقطاع والبؤس الطبقيّ، يُشكل هويّة تُقاسُ به كينونة النفس البشريّة وقيمتها المُستلبة في ظل عبادة الفرد وطبائع الإستبداد الذكي المُعاصر الذي اختلفت أنساقه عن مصائر الإستبداد البائد في عصورٍ خلتْ.
Leave a Reply