العقل المُدجج والسُلطة العمياء
(نعوم تشومسكي، العقل ضد السلطة : رهان باسكال)
*رعد تغوج
رهان باسكال هو الرهان الذي أطلقه الفيزيائي والفيلسوف الفرنسيّ بليز باسكال (1623-1662) حول قضية الإيمان، ومفاده :
إذا أنكرتُ وجود الله، وكانت الحقيقة بخلاف ذلك، فأني أعرضُ نفسي لأسوء المهالك (المخاسر).
وإذا آمنتُ بوجود الله، وكانت الحقيقة بخلاف ذلك، فلا يوجد ما أخسره.
وبالاستنتاج يتضحُ أن الموقف من الإيمان لا يكلف خسائرا كما هو الأمر بتبني الإلحاد.. هذا هو رهان باسكال الشهير، الذي يكون ، ربما جاء بوحي من نظرية الاحتمالات التي كان بارعاً بها، فهو رياضي وفيزيائي وأول من أخترع الآلة الحاسبة.
أما نعوم تشومسكي الذي لا يملكُ من الأسلحة سوى عقله وكتاباته، ولا يستندُ بصفته تلك على دولة أو حكومة، ولا يُعّول على محاكم. فهو اللسانيّ والمفكر الأشد راديكالية (كما تصفه الصحف الأمريكية التابعة) في نقد للسياسة الخارجية الأمريكية.
يتناول الكتاب حوارين، جرى الأول عام 2001، بينما جرى الآخر سنة 2009.
وتتناولُ تلك المحاورات عدة محاور، بدءا بنقد السياسة الخارجية الأمريكية، وشؤون الطبيعة البشرية والتقدم والعولمة والقانون الدولي، والفوضى والسوق الحر والمثقفين والحركات الاحتجاجية والفلسفات الحديثة (الوضعية المنطقية والتأويليّة).
يركز تشومسكي على الأمل بديلا عن اليأس والإستسلام، تحويرا منه، وتعديلا لرهان باسكال، ويعقد الأمل ، كل الأمل في الثورات والحراكات التي تؤدي إلى تغيير الوضع القائم. على سبيل المثال الفاعلين الإجتماعين الذين يحفزون صيرورة التقدم، كحركة معذبو الأرض في البرازيل، أو حركة بيا كمبيسينا Vis campesina (الطريق القروية) وقاعدتها الأساس الفلاحون حول العالم. وكذلك الحال مع الجماعة العمالية في ينجزتاون في أوهايو، وهي التجمعات الحراكية التي سعت إلى استعادة مصانع الحديد والصلب بعد أن قررت الشركة الأمريكية للصلب اغلاقها، وقامت بتحقيق نجاحات مبهرة في كفاحها.
من تلك المداخل كانت تبيئة تشومسكي لرهان باسكال ليصبح السؤال الفلسفي هو :
ما الداعي إلى العمل السياسي والإجتماعي؟ وهل جدوى (خسائر وأرباح) ؟
يعرج تشومسكي للحديث عن الأزمة الإقتصادية العالمية، ويقول أنها في الغرب أزمة مالية، بينما في الجنوب فهي أزمة غير مالية ولا تتعلق بالبنوك والسندات، إنما أزمة مجاعات وغذاء وكوارث أخرى. وينتقدُ “الأهداف الإنمائية للألفية” التي جاءت بها الأمم المتحدة، وحددت لها هدفا منذ 2008 هو القضاء على الفقر في 2015!!
أما برنامج الغذاء العالمي فقد خفض مساعداته من 20% الى 25% بهدف انقاذ البنوك التي أصبحت أولوية قصوى لدى التجمعات الحاكمة في الدول الإمبريالية.
Leave a Reply